الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } * { يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } * { هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ }

يقول تعالى ذكره: فالوادي الذي يسيل من قيح وصديد في جهنم، يوم تمور السماء موراً، وذلك يوم القيامة للمكذّبين بوقوع عذاب الله للكافرين، يوم تمور السماء موّراً. وكان بعض نحويّي البصرة يقول: أدخلت الفاء في قوله: { فَوَيْلٌ يَوْمَئذٍ } لأنه في معنى إذا كان كذا وكذا، فأشبه المجازاة، لأن المجازاة يكون خبرها بالفاء. وقال بعض نحوييّ الكوفة: الأوقات تكون كلها جزاء مع الاستقبال، فهذا من ذاك، لأنهم قد شبهوا «إن» وهي أصل الجزاء بحين، وقال: إن مع يوم إضمار فعل، وإن كان التأويل جزاء، لأن الإعراب يأخذ ظاهر الكلام، وإن كان المعنى جزاء. وقوله: { الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } يقول: الذين هم في فتنة واختلاط في الدنيا يلعبون، غافلين عما هم صائرون إليه من عذاب الله في الآخرة. وقوله: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } يقول تعالى ذكره: فويل للمكذّبين يوم يُدَعُّونَ. وقوله: { يَوْمَ يُدَعُّونَ } ترجمة عن قوله: { يَوْمَئِذٍ } وإبدال منه. وعنى بقوله: { يُدَعُّونَ } يدفعون بإرهاق وإزعاج، يقال منه: دَعَعْت في قفاه: إذا دفعت فيه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني سليمان بن عبد الجبار، قال: ثنا أبو كدينة، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عباس { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلَى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } قال: يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار. حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } يقول: يدفعون. حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } قال: يدفعون فيها دفعاً. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنم دَعًّا } يقول: يدفعون إلى نار جهنم دفعاً. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ } قال: يُدفعون. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعاً } قال: يزعجون إليها إزعاجاً. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة بنحوه. حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلَى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } الدعّ: الدفع والإرهاق. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قول الله: { يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا } قال: يُدفعون دفعاً، وقرأ قول الله تبارك وتعالى:فَذَلِكَ الذِي يَدُعُّ اليَتِيمَ } قال: يدفعه، ويغلظ عليه. وقوله: { هَذِهِ النَّارُ التي كُنْتُمْ بِها تُكَذّبُونَ } يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذه النار التي كنتم بها في الدنيا تكذّبون، فتجحدون أن تردّوها، وتصلوها، أو يعاقبكم بها ربكم، وترك ذكر يُقال لهم، اجتزاء بدلالة الكلام عليه.