الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ } * { وَنُفِخَ فِي ٱلصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْوَعِيدِ }

وفي قوله: { وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ } وجهان من التأويل، أحدهما: وجاءت سكرة الموت وهي شدّته وغلبته على فهم الإنسان، كالسكرة من النوم أو الشراب بالحقّ من أمر الآخرة، فتبينه الإنسان حتى تثبته وعرفه. والثاني: وجاءت سكرة الموت بحقيقة الموت. وقد ذُكر عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه كان يقرأ «وَجاءَتْ سَكْرَةُ الحَقّ بالمَوْتِ». ذكر الرواية بذلك: حدثنا محمد بن المثنى، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن واصل، عن أبي وائل، قال: لما كان أبو بكر رضي الله عنه يقضي، قالت عائشة رضي الله عنها هذا، كما قال الشاعر:
إذَا حَشْرَجَتْ يَوْماً وَضَاقَ بِها الصَّدْرُ   
فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا تقولي ذلك، ولكنه كما قال الله عزّ وجلّ: { وَجاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بالحَقّ ذلكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ }. وقد ذُكر أن ذلك كذلك في قراءة ابن مسعود. ولقراءة من قرأ ذلك كذلك من التأويل وجهان: أحدهما: وجاءت سكرة الله بالموت، فيكون الحقّ هو الله تعالى ذكره. والثاني: أن تكون السكرة هي الموت أُضيفت إلى نفسها، كما قيل: { إنَّ هذَا لهُوَ حَقُّ اليَقِينِ }. ويكون تأويل الكلام: وجاءت السكرةُ الحقُّ بالموت. وقوله: { ذلكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ } يقول: هذه السكرة التي جاءتك أيها الإنسان بالحقّ هو الشيء الذي كنت تهرب منه، وعنه تروغ. وقوله: { وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلكَ يَوْمُ الوَعِيدِ } قد تقدّم بياننا عن معنى الصُّور، وكيف النَّفخ فيه بذكر اختلاف المختلفين. والذي هو أولى الأقوال عندنا فيه بالصواب، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. وقوله: { ذلكَ يَوْمُ الوَعِيدِ } يقول: هذا اليوم الذي ينفخ فيه هو يوم الوعيد الذي وعده الله الكفار أن يعذّبهم فيه.