الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٌ } * { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }

يقول تعالى ذكره: ونحن أقرب إلى الإنسان من وريد حلقه، حين يتلقى الملَكان، وهما المتلقيان { عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيد } وقيل: عنى بالقعيد: الرصد. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { قَعِيدٌ } قال: رَصَد. واختلف أهل العربية في وجه توحيد قعيد، وقد ذُكر من قبل متلقيان، فقال بعض نحويي البصرة: قيل: { عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ } ولم يقل: عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، أي أحدهما، ثم استغنى، كما قال:نُخْرِجْكُمْ طِفْلاً } ثم استغنى بالواحد عن الجمع، كما قال:فإنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً } وقال بعض نحويي الكوفة { قَعِيدٌ } يريد: قعوداً عن اليمين وعن الشمال، فجعل فعيل جمعاً، كما يجعل الرسول للقوم وللاثنين، قال الله عزّ وجلّ:إنا رَسُولُ رَبّ العالَمِينَ } لموسى وأخيه، وقال الشاعر:
أَلِكْنِي إلَيْها وَخَيْرُ الرَّسُو   لِ أعْلَمُهُمْ بِنَوَاحي الخَبرْ
فجعل الرسول للجمع، فهذا وجه وإن شئت جعلت القعيد واحدا اكتفاء به من صاحبه، كما قال الشاعر:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنا وأنْتَ بِمَا   عِنْدَكَ رَاضٍ والرَّأيُ مُخْتَلِفُ
ومنه قول الفَرَزدق:
إنّي ضَمِنْتُ لِمَنْ أتانِي ما جَنى   وأَبى فَكانَ وكُنْتُ غَيرَ غَدُورِ
ولم يقل: غَدُورَيْن. وقوله: { ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } يقول تعالى ذكره: ما يلفظ الإنسان من قول فيتكلم به، إلا عندما يلفظ به من قول رقيب عَتيد، يعني حافظ يحفظه، عتيد مُعَدٌّ. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد { عن اليمين وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ } قال: عن اليمين الذي يكتب الحسنات، وعن الشمال الذي يكتب السيئات. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن، قال: ثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم التيميّ، في قوله: { إذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيانِ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ } قال: صاحب اليمين أمير أو أمين على صاحب الشمال، فإذا عمل العبد سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: أمسك لعله يتوب. حدثنا ابن حُمَيد، قال: ثنا حكام، قال: ثنا عمرو، عن منصور، عن مجاهد { إذ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيانِ عنِ اليَمِينِ وَعَنِ الشّمالِ قَعِيدٌ } قال ملك عن يمينه، وآخر عن يساره، فأما الذي عن يمينه فيكتب الخير، وأما الذي عن شماله فيكتب الشرّ. قال: ثنا جرير، عن منصور، عن مجاهد، قال: مع كل إنسان مَلكان: ملك عن يمينه، وملك عن يساره قال: فأما الذي عن يمينه، فيكتب الخير، وأما الذي عن يساره فيكتب الشرّ.

السابقالتالي
2