الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَآءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ ٱلنَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ ٱلْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذٰلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا ٱللَّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ ٱللَّهُ مِنْهُ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ذُو ٱنْتِقَامٍ }

يقول تعالـى ذكره: يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله { لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ } الذي بـينت لكم، وهو صيد البرّ دون صيد البحر { وأنْتُـمْ حُرُمٌ } يقول: وأنتـم مـحرمون بحجّ أو عمرة والـحُرُم: جمع حرام، والذكر والأنثى فـيه بلفظ واحد، تقول: هذا رجل حَرَام وهذه امرأة حَرَام، فإذا قـيـل مُـحْرم، قـيـل للـمرأة مـحرمة. والإحرام: هو الدخول فـيه، يقال: أحرم القوم: إذا دخـلوا فـي الشهر الـحرام، أو فـي الـحرم. فتأويـل الكلام: لا تقتلوا الصيد وأنتـم مـحرمون بحجّ أو عمرة. وقوله: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } فإن هذا إعلام من الله تعالـى ذكره عبـاده حكم القاتل من الـمـحرمين الصيد الذي نهاه عن قتله متعمداً. ثم اختلف أهل التأويـل فـي صفة العمد الذي أوجب الله علـى صاحبه به الكفـارة والـجزاء فـي قتله الصيد. فقال بعضهم: هو العمد لقتل الصيد مع نسيان قاتله إحرامه فـي حال قتله، وقال: إن قتله وهو ذاكر إحرامه متعمداً قتله فلا حكم علـيه وأمره إلـى الله. قالوا: وهذا أجلّ أمراً من أن يحكم علـيه أو يكون له كفَّـارة. ذكر من قال ذلك: حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: ثنا ابن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } من قتله منكم ناسياً لإحرامه متعمداً لقتله، فذلك الذي يُحكم علـيه. فإن قتله ذاكراً لـحُرْمه متعمداً لقتله، لـم يحكم علـيه. حدثنا ابن وكيع وابن حميد، قالا: ثنا جرير، عن لـيث، عن مـجاهد فـي الذي يقتل الصيد متعمداً، وهو يعلـم أنه مـحرم ومتعمد قتله، قال: لا يحكم علـيه، ولا حجّ له. وقوله: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قال: هو العمد الـمكفر، وفـيه الكفـارة والـخطأ أن يصيبه، وهو ناس إحرامه، متعمدا لقتله، أو يصيبه وهو يريد غيره، فذلك يحكم علـيه مرّة. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { لا تَقْتُلُوا الصَّيْدُ وأنْتُـمْ حُرُمٌ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } غير ناس لـحرمه ولا مريد غيره، فقد حلّ ولـيست له رخصة. ومن قتله ناسياً أو أراد غيره فأخطأ به، فذلك العمد الـمكفر. حدثنا يعقوب، قال: ثنا هشيـم، عن لـيث، عن مـجاهد، فـي قوله: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا } قال: متعمداً لقتله، ناسياً لإحرامه. حدثنـي يحيى بن طلـحة الـيربوعي، قال: ثنا الفضيـل بن عياض، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: العمد هو الـخطأ الـمكفَّر. حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: ثنا يونس بن مـحمد، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: ثنا لـيث قال: قال مـجاهد: قول الله: { وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } قال: فـالعمد الذي ذكر الله تعالـى أن يصيب الصيد وهو يريد غيره فـيصيبه، فهذا العمد الـمكفَّر فأما الذي يصيبه غيرَ ناس ولا مريد لغيره، فهذا لا يحكم علـيه، [هذا أجَلُّ من أن يحكم علـيه].

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد