الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىۤ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ }

يقول تعالـى ذكره: وإذا سمع هؤلاء الذين قالوا إنا نصارى الذين وصفت لك يا مـحمد صفتهم أنك تـجدهم أقرب الناس مودّة للذين آمنوا، ما أنزل إلـيك من الكتاب يتلـى، { تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ }. وفـيض العين من الدمع: امتلاؤها منه ثم سيلانه منها كفـيض النهر من الـماء، وفـيض الإناء، وذلك سيلانه عن شدّة امتلائه ومنه قول الأعشى:
فَفـاضَتْ دُمُوعِي فَطَلُّ الشَّؤو   ن إمَّا وَكِيفاً إما انْـحِدَارَا
وقوله: { مِـمَّا عَرَفُوا مِنَ الـحَقّ } يقول: فـيض دموعهم لـمعرفتهم بأن الذي يتلـى علـيهم من كتاب الله الذي أنزله إلـى رسول الله حقّ. كما: حدثنا هناد بن السريّ، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: ثنا أسبـاط بن نصر الهمدانـي، عن إسماعيـل بن عبد الرحمن السديّ، قال: بعث النـجاشيّ إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم اثنى عشر رجلاً يسألونه ويأتونه بخبره، فقرأ علـيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن فبكوا. وكان منهم سبعة رهبـان وخمسة قسيسون، أو خمسة رهبـان وسبعة قسيسون، فأنزل الله فـيهم: { وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ }... إلـى آخر الآية. حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: ثنا عمر بن علـيّ بن مقدّم، قال: سمعت هشام بن عروة يحدّث عن أبـيه، عن عبد الله بن الزبـير، قال: نزلت فـي النـجاشيّ وأصحابه: { وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ }. حدثنا هناد، قال: ثنا عبدة بن سلـيـمان، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، فـي قوله: { تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِـمَّا عَرفُوَا مِنَ الـحَقّ } قال: ذلك فـي النـجاشيّ. حدثنا هناد وابن وكيع، قالا: ثنا أبو معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبـيه، قال: كانوا يرون أن هذه الآية أنزلت فـي النـجاشيّ: { وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ }. حدثنا هناد، قال: ثنا يونس بن بكير، قال: قال ابن إسحاق، سألت الزهري عن الآيات: { ذَلِكَ بأنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبـاناً وأنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ وَإذَا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلـى الرَّسُولِ تَرَى أعْيُنَهُمْ تَفِـيضُ مِنَ الدَّمْعِ }... الآية. وقولهوَإذَا خاطَبَهُمُ الـجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً } قال: ما زلت أسمع علـماءنا يقولون: نزلت فـي النـجاشيّ وأصحابه. وأما قوله: { يَقولُونَ } فإنه لو كان بلفظ اسم كان نصبـاً علـى الـحال، لأنّ معنى الكلام: وإذا سمعوا ما أنزل إلـى الرسول ترى أعينهم تفـيض من الدمع مـما عرفوا من الـحقّ، قائلـين ربنا آمنا. ويعنـي بقوله تعالـى ذكره: { يَقُولُونَ رَبَنَّا آمَنا } أنهم يقولون: يا ربنا صدّقنا لـما سمعنا ما أنزلته إلـى نبـيك مـحمد صلى الله عليه وسلم من كتابك، وأقررنا به أنه من عندك وأنه الـحقّ لا شكّ فـيه. وأما قوله: { فـاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ } فإنه رُوي عن ابن عبـاس وغيره فـي تأويـله، ما: حدثنا به هناد قال: ثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبـي وابن نـمير جميعاً، عن إسرائيـل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله: { اكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ } قال: أمة مـحمد صلى الله عليه وسلم.

السابقالتالي
2