الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَآءَ مَا يَعْمَلُونَ }

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { ولَوْ أنَّهُمْ أقامُوا التَّورَاةَ والإنْـجِيـلَ } ولو أنهم عملوا بـما فـي التوراة والإنـجيـل، { وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ } يقول: وعملوا بـما أنزل إلـيهم من ربهم من الفرقان الذي جاءهم به مـحمد صلى الله عليه وسلم. فإن قال قائل: وكيف يقـيـمون التوراة والإنـجيـل وما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم، مع اختلاف هذه الكتب ونسخ بعضها بعضاً؟ قـيـل: وإن كانت كذلك فـي بعض أحكامها وشرائعها، فهي متفقة فـي الأمر بـالإيـمان برسل الله والتصديق بـما جاءت به من عند الله فمعنى إقامتهم التوراة والإنـجيـل وما أنزل إلـى مـحمد صلى الله عليه وسلم تصديقهم بـما فـيها والعمل بـما هي متفقة فـيه وكلّ واحد منها فـي الـخبر الذي فرض العمل به. وأما معنى قوله: { لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ } فإنه يعنـي: لأنزل الله علـيهم من السماء قطرها، فأنبتت لهم به الأرض حبها ونبـاتها فأخرج ثمارها. وأما قوله: { وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ } فإنه يعنـي تعالـى ذكره: لأكلوا من بركة ما تـحت أقدامهم من الأرض، وذلك ما تـخرجه الأرض من حبها ونبـاتها وثمارها، وسائر ما يؤكل مـما تـخرجه الأرض. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس: { ولَوْ أنَّهُمْ أقامُوا التَّورَاةَ والإنْـجِيـلَ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ } يعنـي: لأرسل السماء علـيهم مدراراً. { وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ }: تـخرج الأرض بركتها. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { ولَوْ أنَّهُمْ أقامُوا التَّورَاةَ والإنْـجِيـلَ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ } يقول: إذاً لأعطتهم السماء بركتها والأرض نبـاتها. حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { ولَوْ أنَّهُمْ أقامُوا التَّورَاةَ والإنْـجِيـلَ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ } يقول: لو عملوا بـما أنزل إلـيهم مـما جاءهم به مـحمد صلى الله عليه وسلم، لأنزلنا علـيهم الـمطر فأنبت الثمر. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { ولَوْ أنَّهُمْ أقامُوا التَّورَاةَ والإنْـجِيـلَ وَما أُنْزِلَ إلَـيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ } أما إقامتهم التوراة: فـالعمل بها، وأما ما أنزل إلـيهم من ربهم: فمـحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل علـيه. يقول: { لأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ } أما من فوقهم: فأرسلت علـيهم مطراً، وأما من تـحت أرجلهم، يقول: لأنبتّ لهم من الأرض من رزقـي ما يغنـيهم. حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد، قوله: { لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَـحْتِ أرْجُلِهِمْ } قال: بركات السماء والأرض.

السابقالتالي
2