الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوۤاْ أَوْ يُصَلَّبُوۤاْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأَرْضِ ذٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي ٱلدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

وهذا بـيان من الله عزّ ذكره عن حكم الفساد فـي الأرض الذي ذكره فـي قوله:مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ } [المائدة: 32] أعلـم عبـاده ما الذي يستـحقّ الـمفسد فـي الأرض من العقوبة والنكال، فقال تبـارك وتعالـى: لا جزاء له فـي الدنـيا إلا القتل والصلب وقطع الـيد والرجل من خلاف أو النفـي من الأرض، خزياً لهم وأما فـي الآخرة إن لـم يتب فـي الدنـيا فعذاب عظيـم. ثم اختلف أهل التأويـل فـيـمن نزلت هذه الآية. فقال بعضهم: نزلت فـي قوم من أهل الكتاب، كانوا أهل موادعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنقضوا العهد وأفسدوا فـي الأرض، فعرّف الله نبـيه صلى الله عليه وسلم الـحكم فـيهم. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { إنَّـمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِـي الأرْضِ فَساداً } قال: كان قوم من أهل الكتاب بـينهم وبـين النبـيّ صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق، فنقضوا العهد وأفسدوا فـي الأرض فخير الله رسوله، إن شاء أن يقتل وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك، قال: كان قوم بـينهم وبـين رسول الله صلى الله عليه وسلم ميثاق، فنقضوا العهد وقطعوا السبـيـل وأفسدوا فـي الأرض فخير الله جلّ وعزّ نبـيه صلى الله عليه وسلم فـيهم، فإن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: ثنـي عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول، فذكر نـحوه. وقال آخرون: نزلت فـي قوم من الـمشركين. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد، عن عكرمة والـحسن البصريّ، قالا: قال: { إنَّـمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ }... إلـى:إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [المائدة: 39] نزلت هذه الآية فـي الـمشركين، فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا علـيه لـم يكن علـيه سبـيـل ولـيست تَـحْرز هذه الآية الرجل الـمسلـم من الـحدّ إن قتل أو أفسد فـي الأرض أو حارب الله ورسوله ثم لـحق بـالكفـار قبل أن يُقَدَر علـيه، لـم يـمنعه ذلك أن يقام فـيه الـحدّ الذي أصاب. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن أشعث، عن الـحسن: { إنَّـما جَزَاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ } قال: نزلت فـي أهل الشرك. وقال آخرون: بل نزلت فـي قوم من عُرَينة وعُكْل ارتدّوا عن الإسلام، وحاربوا الله ورسوله.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد