الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ } من جَرَّ ذلك وجريرته وجنايته، يقول: من جرّ القاتل أخاه من ابنـي آدم اللذَين اقتصصنا قصتهما الـجريرة التـي جرّها وجنايته التـي جناها، كتبنا علـى بنـي إسرائيـل. يقال منه: أجَلْتُ هذا الأمر: أي جررته إلـيه وكسبته آجُلُه له أجْلاً، كقولك: أخذته أخذاً، ومن ذلك قول الشاعر:
وأهْلِ خِبـاءٍ صَالـحٍ ذاتُ بَـيْنِهِمْ   قَد احْتَرَبوا فِـي عاجِلٍ أنا آجِلُهْ
يعنـي بقوله: أنا آجله: آنا الـجارّ ذلك علـيهم والـجانـي. فمعنى الكلام: من جناية ابن آدم القاتل أخاه ظلـماً، حكمنا علـي بنـي إسرائيـل أنه من قتل منهم نفساً ظلـماً بغير نفس قَتَلت فُقِتل بها قصاصاً { أو فَسَادٍ فـي الأرْضِ } يقول: أو قتل منهم نفساً بغير فساد كان منها فـي الأرض، فـاستـحقت بذلك قتلها. وفسادها فـي الأرض إنـما يكون بـالـحرب لله ولرسوله وإخافة السبـيـل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: ثنـي عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إسْرَائِيـلَ } يقول: من أجل ابن آدم الذي قتل أخاه ظلـماً. ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله جلّ ثناؤه: { مَنْ قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أحْياها فَكأنَّـما أحيْا النَّاس جَمِيعاً } فقال بعضهم: معنى ذلك: ومن قتل نبـياً أو إمام عدل، فكأنـما قتل الناس جميعاً، ومن شدّ علـى عضد نبـيّ أو إمام عدل، فكأنـما أحيا الناس جميعاً. ذكر من قال ذلك: حدثنا أبو عمار حسين بن حُرَيْثٍ الـمَرْوَزِيّ، قال: ثنا الفضل بن موسى، عن الـحسين بن واقد، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله: { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنـمَا قَتَلَ النَّاسع جَمِيعاً وَمَنْ أحْياها فَكأنـمَا أحيْا النَّاسَ جَمِيعاً } قال: من شدّ علـى عضد نبـيّ أو إمام عدل فكأنـما أحيا الناس جميعاً. ومن قتل نبـياً أو إمام عدل فكأنـما قتل الناس جميعاً. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس فـي قوله: { مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنا علـى بَنِـي إْسرَائِيـلَ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَّـما قَتَلَ النَّاس جَمِيعاً } يقول: من قتل نفساً واحدة حرّمتها، فهو مثل من قتل الناس جميعاً. { وَمَنْ أحْياها } يقول: من ترك قتل نفس واحدة حرّمتها مخافتـي واستـحياها أن يقتلها، فهو مثل استـحياء الناس جميعاً يعنـي بذلك الأنبـياء عليهم السلام. وقال آخرون: { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسادٍ فِـي الأرْضِ فَكأنَـمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً } عند الـمقتول فـي الإثم { وَمَنْ أحيْاها } فـاستنقذها من هلكة { فَكأنـمَا أحيْا النَّاسَ جَمِيعاً } عند الـمستنقذ.

السابقالتالي
2 3 4 5 6