الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَيْ ءَادَمَ بِٱلْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلْمُتَّقِينَ }

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: واتل علـى هؤلاء الـيهود الذين هموا أن يبسطوا أيديهم إلـيكم، علـيك وعلـى أصحابك معك، وعرّفهم مكروه عاقبة الظلـم والـمكر، وسوء مغبة الـجور ونقض العهد، وما جزاء الناكث وثواب الوافـي، خَبَرَ ابنـي آدم هابـيـل وقابـيـل، وما آل إلـيه أمر الـمطيع منهما ربه الوافـي بعهده، وما إلـيه صار أمر العاصي منهما ربه الـجائر الناقض عهده فلتعرف بذلك الـيهود وخامة غبّ عدوهم، ونقضهم ميثاقهم بـينك وبـينهم، وهمهم بـما هموا به من بسط أيديهم إلـيك وإلـى أصحابك. فإن لك ولهم فـي حسن ثوابـي وعظم جزائي علـى الوفـاء بـالعهد الذي جازيت الـمقتول الوافـيَ بعهده من ابنـي آدم، وعاقبت به القاتل الناكث عهده عزاء جميلاً. واختلف أهل العلـم فـي سبب تقريب ابنـي آدم القربـان، وسبب قبول الله عزّ وجلّ ما تقبل منه، ومن اللذان قرَّبـا؟ فقال بعضهم: كان ذلك عن أمر الله جلّ وعزّ إياهما بتقريبه. وكان سبب القبول أن الـمتقبل منه قرب خير ماله وقرّب الآخر شرّ ماله، وكان الـمقرّبـان ابنـي آدم لصلبه أحدهما: هابـيـل، والآخر قابـيـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا عبد الله بن أبـي جعفر، عن هشام بن سعيد، عن إسماعيـل بن رافع، قال: بلغنـي أن ابنـي آدم لـما أمرا بـالقربـان، كان أحدهما صاحب غنـم، وكان أُنِتـج له حَمَل فـي غنـمه، فأحبه حتـى كان يؤثره بـاللـيـل، وكان يحمله علـى ظهره من حبه، حتـى لـم يكن له مال أحبّ إلـيه منه فلـما أمر بـالقربـان، قرّبه لله فقبله الله منه، فما زال يرتع فـي الـجنة حتـى فدَى به ابن إبراهيـم صلى الله عليه وسلم. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا مـحمد بن جعفر، قال: ثنا عوف، عن أبـي الـمغيرة، عن عبد الله بن عمرو، قال: إن ابنـي آدم اللذين قرّبـا قربـاناً فتقبل من أحدهما ولـم يتقبل من الآخر، كان أحدهما صاحب حرث، والآخر صاحب غنـم، وأنهما أمرا أن يقرّبـا قربـاناً وإن صاحب الغنـم قرّب أكرم غنـمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه، وإن صاحب الـحرث قرّب شرّ حرثه الكَوْزَن والزُّوَان غير طيبة بها نفسه وإن الله تقبل قربـان صاحب الغنـم ولـم يتقبل قربـان صاحب الـحرث. وكان من قصتهما ما قصّ الله فـي كتابه، وقال: ايْـمُ الله إن كان الـمقتول لأشدّ الرجلـين، ولكن منعه التـحرّج أن يبسط يده إلـى أخيه وقال آخرون: لـم يكن ذلك من أمرهما عن أمر الله إياهما به. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: حدثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قال: كان من شأنهما أنه لـم يكن مسكين فـيتصدّق علـيه، وإنـما كان القربـان يقربه الرجل.

السابقالتالي
2 3 4 5 6