الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ ٱللَّهِ وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْيَ وَلاَ ٱلْقَلاۤئِدَ وَلاۤ آمِّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِّ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ }

اختلف أهل التأويـل فـي معنى قول الله: { لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } فقال بعضهم: معناه: لا تـحلوا حُرُمات الله، ولا تتعدّوا حدوده. كأنهم وجهوا الشعائر إلـى الـمعالـم، وتأوّلوا لا تـحلوا شعائر الله: معالـم حدود الله، وأمره، ونهيه، وفرائضه. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا عبد الوهاب الثقـفـي، قال: ثنا حبـيب الـمعلـم، عن عطاء أنه سئل عن شعائر الله، فقال: حرمات الله: اجتناب سخط الله، واتبـاع طاعته، فذلك شعائر الله. وقال آخرون: معنى قوله: { لا تُـحِلُّوا } حَرَمَ الله. فكأنهم وجهوا معنى قوله: { شَعائِرَ اللّهِ }: أي معالـم حَرَم الله من البلاد. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } قال: أما شعائر الله: فحُرَم الله. وقال آخرون: معنى ذلك: لا تـحلوا مناسك الـحجّ فتضيعوها. وكأنهم وجهوا تأويـل ذلك إلـى: لا تـحلوا معالـم حدود الله التـي حدّها لكم فـي حجكم. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس: { لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } قال: مناسك الـحجّ. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنا معاوية، عن علـيّ ابن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس، قوله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } قال: كان الـمشركون يحجون البـيت الـحرام، ويهُدون الهدايا، ويعظمون حرمة الـمشاعر، ويتـجرون فـي حجهم، فأراد الـمسلـمون أن يُغيروا علـيهم، فقال الله عزّ وجلّ: { لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ }. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول الله: { شَعائِرَ اللَّهِ }: الصفـا والـمروة، والهدي، والبدن، كل هذا من شعائر الله. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنـي أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. وقال آخرون: معنى ذلك: لا تـحلوا ما حرّم الله علـيكم فـي حال إحرامكم. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } قال: شعائر الله: ما نهى الله عنه أن تصيبه وأنت مـحرم. وكأنّ الذين قالوا هذه الـمقالة، وجهوا تأويـل ذلك إلـى: لا تـحلوا معالـم حدود الله التـي حرّمها علـيكم فـي إحرامكم. وأولـى التأويلات بقوله: { لا تُـحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ } قول عطاء الذي ذكرناه من توجيهه معنى ذلك إلـى: لا تـحلوا حُرُمات الله، ولا تضيعوا فرائضه، لأن الشعائر جمع شعيرة، والشعيرة: فعيـلة من قول القائل: قد شعر فلان بهذا الأمر: إذا علـم به، فـالشعائر: الـمعالـم من ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد