الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ ٱلْمَصِيرُ }

وهذا خبر من الله جلّ وعزّ عن قوم من الـيهود والنصارى أنهم قالوا هذا القول. وقد ذكر عن ابن عبـاس تسمية الذين قالوا ذلك من الـيهود. حدثنا أبو كريب، قال: ثنا يونس بن بكير، عن مـحمد بن إسحاق، قال: ثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد مولـي زيد بن ثابت، قال: ثنـي سعيد بن جبـير، أو عكرمة، عن ابن عبـاس، قال: أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن أضا وبحريّ بن عمرو، وشأس بن عديّ، فكلـموه، فكلّـمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلـى الله وحذّرهم نقمته، فقالوا: ما تـخوّفنا يا مـحمد، نـحن والله أبناء الله وأحبـاؤه كقول النصارى، فأنزل الله جلّ وعزّ فـيهم: { وَقَالَتِ الـيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَـحْنُ أبْناءُ اللّه وأحِبَّـاؤُهُ }... إلـى آخر الآية. وكان السديّ يقول فـي ذلك بـما: حدثنـي مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { وَقالَتِ الـيَهُودُ والنَّصَارَى نَـحْنُ أبْناءُ اللّهِ وأحبَّـاؤُهُ } أما أبناء الله فإنهم قالوا: إن الله أوحى إلـى إسرائيـل أن ولداً من ولدك أدخـلهم النار فـيكونون فـيها أربعين يوماً حتـى تطهرهم وتأكل خطاياهم، ثم ينادي مناد: أن أخرجوا كلّ مختون من ولد إسرائيـل، فأُخْرجهم. فذلك قوله:لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ } [آل عمران: 24]. وأما النصارى، فإن فريقاً منهم قال للـمسيح: ابن الله. والعرب قد تـخرج الـخبر إذا افتـخرت مُخْرج الـخبر عن الـجماعة، وإن كان ما افتـخرت به من فعل واحد منهم، فتقول: نـحن الأجواد الكرام، وإنـما الـجواد فـيهم واحد منهم وغير الـمتكلـم الفـاعل ذلك، كما قال جرير:
نَدسْنا أبـا مَندوسة القَـيْنَ بـالقَنَا   وَما رَدَمٌ من جارِ بَـيْبَةَ ناقعُ
فقال: «ندسنا»، وإنـما النادس: رجل من قوم جرير غيره، فأخرج الـخبر مخرج الـخبر عن جماعة هو أحدهم. فكذا أخبر الله عزّ ذكره عن النصارى أنها قالت ذلك علـى هذا الوجه إن شاء الله. وقوله: { وأحِبَّـاؤُهُ } وهو جمع حبـيب، يقول الله لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل لهؤلاء الكذبة الـمفترين علـى ربهم { فَلِـمَ يُعَذّبُكُمْ رَبُّكُمْ }؟ يقول: فلأيّ شيء يعذّبكم ربكم بذنوبكم إن كان الأمر كما زعمتـم أنكم أبناؤه وأحبـاؤه، فإن الـحبـيب لا يعذّب حبـيبه، وأنتـم مقرّون أنه معذّبكم. وذلك أن الـيهود قالت: إن الله معذّبنا أربعين يوماً عدد الأيام التـي عبدنا فـيه العجل، ثم يخرجنا جميعاً منها فقال الله لـمـحمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم: إن كنتـم كما تقولون أبناءُ الله وأحبـاؤه، فلـم يعذّبكم بذنوبكم؟ يُعلـمهم عزّ ذكره أنهم أهل فِرية وكذب علـى الله جلّ وعزّ. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { بَلْ أنْتُـمْ بَشَرٌ مِـمَّنْ خَـلَقَ يَغْفِرُ لِـمَنْ يَشاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يشاءُ }.

السابقالتالي
2