يقول تعالى ذكره: يوم يجمع الله الرسل، فيقول ماذا أجبتم، إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ وقيل: إن الله قال هذا القول لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَإذْ قالَ اللَّه يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مَنْ دُونِ اللَّهِ } قال: لما رفع الله عيسى ابن مريم إليه، قالت النصارى ما قالت، وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك، فسأله عن قوله، فـ { قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لي أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ }.... إلى قوله:{ وأنْتَ على كُلّ شَيْء شَهِيدٌ } وقال آخرون: بل هذا خبر من الله تعالى ذكره عن أنه يقول لعيسى ذلك في القيامة. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج:{ وَإذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال: والناس يسمعون، فراجعه بما قد رأيت، وأقرّ له بالعبودية على نفسه، فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول أنه إنما كان يقول باطلاً. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة، قال:{ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } فأرعدت مفاصله، وخشي أن يكون قد قال، فـ { قَالَ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ }... الآية. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: { يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } متى يكون ذلك؟ قال: يوم القيامة، ألا ترى أنه يقول:{ هَذَا يَومُ يَنْفَعُ الصَّادقِينَ صِدْقُهُمْ } فعلى هذا التأويل الذي تأوّله ابن جريج يجب أن يكون «وإذْ» بمعنى «وإذا»، كما قال في موضع آخر: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا، بمعنى: يفزعون. وكما قال أبو النجم:
ثُمَّ جَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا إذْ جَزَى
جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي العَلاليِّ العُلا
والمعنى: إذا جزى. وكما قال الأسود:
فالآنَ إذْ هازَلْتُهُنَّ فإنَّمَا
يَقُلْنْ ألا لم يذْهَبِ الشَّيخُ مَذْهَبا
بمعنى: إذا هازلتهنّ. وكأنّ من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا، وجَّه تأويل الآية إلى:{ فَمَنْ يَكْفُرْ بعدُ مِنْكُمْ فَإنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالِمينَ } في الدنيا وأعذّبه أيضاً في الآخرة، { إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ }.