الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ }

يقول تعالى ذكره: يوم يجمع الله الرسل، فيقول ماذا أجبتم، إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟ وقيل: إن الله قال هذا القول لعيسى حين رفعه إليه في الدنيا. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَإذْ قالَ اللَّه يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مَنْ دُونِ اللَّهِ } قال: لما رفع الله عيسى ابن مريم إليه، قالت النصارى ما قالت، وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك، فسأله عن قوله، فـ { قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لي أنْ أقُولَ ما لَيْسَ لي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ }.... إلى قوله:وأنْتَ على كُلّ شَيْء شَهِيدٌ } وقال آخرون: بل هذا خبر من الله تعالى ذكره عن أنه يقول لعيسى ذلك في القيامة. ذكر من قال ذلك: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج:وَإذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال: والناس يسمعون، فراجعه بما قد رأيت، وأقرّ له بالعبودية على نفسه، فعلم من كان يقول في عيسى ما يقول أنه إنما كان يقول باطلاً. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة، قال:قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } فأرعدت مفاصله، وخشي أن يكون قد قال، فـ { قَالَ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أنْ أقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ }... الآية. حدثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله: { يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ } متى يكون ذلك؟ قال: يوم القيامة، ألا ترى أنه يقول:هَذَا يَومُ يَنْفَعُ الصَّادقِينَ صِدْقُهُمْ } فعلى هذا التأويل الذي تأوّله ابن جريج يجب أن يكون «وإذْ» بمعنى «وإذا»، كما قال في موضع آخر: وَلَوْ تَرَى إذْ فَزِعُوا، بمعنى: يفزعون. وكما قال أبو النجم:
ثُمَّ جَزَاهُ اللَّهُ عَنَّا إذْ جَزَى   جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي العَلاليِّ العُلا
والمعنى: إذا جزى. وكما قال الأسود:
فالآنَ إذْ هازَلْتُهُنَّ فإنَّمَا   يَقُلْنْ ألا لم يذْهَبِ الشَّيخُ مَذْهَبا
بمعنى: إذا هازلتهنّ. وكأنّ من قال في ذلك بقول ابن جريج هذا، وجَّه تأويل الآية إلى:فَمَنْ يَكْفُرْ بعدُ مِنْكُمْ فَإنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالِمينَ } في الدنيا وأعذّبه أيضاً في الآخرة، { إذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيمَ أأنْتَ قُلْتَ للنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّيَ إلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ }.

السابقالتالي
2