الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ }

يعني تعالى ذكره بقوله: { فإنْ عُثِرَ }: فإن اطلع فيهما، أو ظهر. وأصل العثر: الوقوع على الشيء والسقوط عليه، ومن ذلك قولهم: عثرت إصبع فلان بكذا: إذا صدمته وأصابته، ووقعت عليه ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس:
بِذَاتِ لَوْثٍ عَفَرْناةً إذَا عَثَرَتْ   فالتَّعْسُ أدْنى لهَا مِنْ أنْ أقولَ لَعا
يعني بقوله: «عثرت»: أصاب ميسم خفها حجر أو غيره، ثم يستعمل ذلك في كلّ واقع على شيء كان عنه خفياً، كقولهم: «عَثَرَتْ على الغزل بأَخَرَة، فلم تَدَعْ بنَجْدٍ قَرَدَةً»، بمعنى: وقعت. وأما قوله: { على أنَّهُما اسْتَحَقَّا إثْماً } فإنه يقول تعالى ذكره: فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر الله أمرهما في هذه الآية بعد حلفهما بالله: لا نشتري بأيماننا ثمناً، ولو كان ذا قُربى، ولا نكتم شهادة الله على أنهما استحقا إثماً، يقول: على أنهما استوجبا بأيمانهما التي حلفا بها إثماً، وذلك أن يطلع على أنهما كانا كاذبين في أيمانهما بالله ما خنَّا، ولا بدّلنا، ولا غَيَّرنا، فإن وجدا قد خانا من مال الميت شيئاً، أو غَيَّرا وصيته، أو بدّلا، فأثما بذلك من حلفهما بربهما { فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما } يقول: يقوم حينئذٍ مقامهما من ورثة الميت الأوليان الموصى إليهما. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: { أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ } قال: إذا كان الرجل بأرض الشرك فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر، فإذا اطلع عليهما بعد حلفهما أنهما خانا شيئاً، حَلَف أولياء الميت إنه كان كذا وكذا، ثم استحقُّوا. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا محمد بن جعفر، قال: ثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، بمثله. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في قوله: { أوْ آخَرَانِ مِنْ غيرِكُمْ } من غير المسلمين تحبسونهما من بعد الصلاة، فإن ارتِيبَ في شهادتهما، استحلفا بعد الصلاة بالله: ما اشترينا بشهادتنا ثمناً قليلاً فإن اطلع الأولياء على أن الكافِرَين كذبا في شهادتهما، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نَعْتَدِ فذلك قوله: { فإنْ عُثِرَ على أنَّهُما اسْتَحَقَّا إثْماً } يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذباً، { فَآخَرَانِ يَقُومانِ مَقامَهُما } يقول: من الأولياء، فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنَّا لم نعتد. فتردّ شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { فإنْ عُثِرَ على أنَّهُما اسْتَحَقَّا إثْماً } أي اطلع منهما على خيانة أنهما كذبا أو كتما.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد