الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ إِلَى ٱللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ }

يقول تعالـى ذكره: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ } فأصلـحوها، واعملوا فـي خلاصها من عقاب الله تعالـى، وانظروا لها فـيـما يقرّبها من ربها، فإنه { لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ } يقول: لا يضرّكم من كفر وسلك غير سبـيـل الـحقّ إذا أنتـم اهتديتـم وآمنتـم بربكم وأطعتـموه فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه، فحرّمتـم حرامه وحللتـم حلاله. ونصب قوله: { أنْفُسَكُمْ } بـالإغراء، والعرب تغري من الصفـات ب «علـيك»، و«عندك» و«دونك» و«إلـيك». واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: يا أيها الذين آمنوا علـيكم أنفسكم إذا أمرتـم بـالـمعروف ونهيتـم عن الـمنكر فلـم يُقبل منكم ذلك. ذكر من قال ذلك: حدثنا سوّار بن عبد الله، قال: ثنا أبـي، قال: ثنا أبو الأشهب، عن الـحسن: أن هذه الآية قرئت علـى ابن مسعود: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ } فقال ابن مسعود: لـيس هذا بزمانها، قولوها ما قبلت منكم فإذا ردّت علـيكم فعلـيكم أنفسكم. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن أبـي الأشهب، عن الـحسن، قال: ذكر عن ابن مسعود { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا } ثم ذكر نـحوه. حدثنا يعقوب، قال: ثنا ابن علـية، عن يونس، عن الـحسن، قال: قال رجل لابن مسعود: ألـم يقل الله: { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ }؟ قال: لـيس هذا بزمانها، قولوها ما قُبلت منكم فإذا ردّت علـيكم فعلـيكم أنفسكم. حدثنا الـحسن بن عرفة، قال: ثنا شبـابة بن سوّار، قال: ثنا الربـيع بن صبـيح، عن سفـيان بن عقال، قال: قـيـل لابن عمر: لو جلستَ فـي هذه الأيام فلـم تأمر ولـم تنه، فإن الله تعالـى يقول: { عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ } فقال ابن عمر: إنها لـيست لـي ولا لأصحابـي، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ألا فلـيبلغ الشاهد الغائب " فكنا نـحن الشهود وأنتـم الغَيَب، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لـم يقبل منهم. حدثنا أحمد بن الـمقدام، قال: ثنا الـمعتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت أبـي، قال: ثنا قتادة، عن أبـي مازن قال: انطلقت علـى عهد عثمان إلـى الـمدينة، فإذا قوم من الـمسلـمين جلوس، فقرأ أحدهم هذه الآية: { عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ } فقال أكثرهم: لـم يجيءْ تأويـل هذه الآية الـيوم. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا عمرو بن عاصم، قال: ثنا الـمعتـمر، عن أبـيه، عن قتادة، عن أبـي مازن، بنـحوه. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا مـحمد بن جعفر وأبو عاصم، قالا: ثنا عوف، عن سوّار بن شبـيب، قال: كنت عند ابن عمر، إذ أتاه رجل جلـيدٌ فـي العين، شديد اللسان، فقال: يا أبـا عبد الرحمن نـحن ستة كلهم قد قرءوا القرآن فأسرع فـيه، وكلهم مـجتهد لا يألو، وكلهم بغيض إلـيه أن يأتـي دناءة، وهم فـي ذلك يشهد بعضهم علـى بعض بـالشرك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7