الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً } * { مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّآءُ عَلَى ٱلْكُفَّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِّنْ أَثَرِ ٱلسُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي ٱلإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَٱسْتَغْلَظَ فَٱسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ ٱلْكُفَّارَ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً }

يعني تعالى ذكره بقوله: { هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ } الذي أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بالبيان الواضح، { وَدِين الحَق } ، وهو الإسلام الذي أرسله داعياً خلقه إليه { لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ } يقول: ليبطل به الملل كلها، حتى لا يكون دين سواه، وذلك كان كذلك حتى ينزل عيسى ابن مريم، فيقتل الدجال، فحينئذٍ تبطل الأديان كلها، غير دين الله الذي بعث به محمداً صلى الله عليه وسلم، ويظهر الإسلام على الأديان كلها. وقوله: { وكَفَى باللَّهِ شَهِيداً } يقول جلّ ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم: أشهدك يا محمد ربك على نفسه، أنه سيظهر الدين الذي بعثك به { وكَفَى باللَّهِ شَهِيداً } يقول: وحسبك به شاهداً. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حُميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا أبو بكر الهُذليّ، عن الحسن { هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بالهُدَى وَدِين الحَقِّ ليُظْهِرَهُ على الدّينِ كُلِّهِ وكَفَى شَهِيداً } يقول: أشهد لك على نفسه أنه سيُظْهِر دينك على الدين كله، وهذا إعلام من الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، والذين كرهوا الصلح يوم الحُديبية من أصحابه، أن الله فاتح عليهم مكة وغيرها من البلدان، مسليهم بذلك عما نالهم من الكآبة والحزن، بانصرافهم عن مكة قبل دخولهموها، وقبل طوافهم بالبيت. وقوله: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِين مَعَهُ أشِدَّاءُ على الكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ } يقول تعالى ذكره: محمد رسول الله وأتباعه من أصحابه الذين هم معه على دينه، أشدّاء على الكفار، غليظة عليهم قلوبهم، قليلة بهم رحمتهم { رُحَماءُ بَيْنَهُمْ } يقول: رقيقة قلوب بعضهم لبعض، لينة أنفسهم لهم، هينة عليهم لهم. كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ ألقى الله في قلوبهم الرحمة، بعضهم لبعض { تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً } يقول: تراهم ركعاً أحياناً لله في صلاتهم سجداً أحياناً { يبتغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ } يقول: يلتمسون بركوعهم وسجودهم وشدّتهم على الكفار ورحمة بعضهم بعضاً، فضلاً من الله، وذلك رحمته إياهم، بأن يتفضل عليهم، فيُدخلهم جنته { وَرِضْوَاناً } يقول: وأن يرضى عنهم ربهم. وقوله: { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنَ أثَرِ السُّجُودِ } يقول: علامتهم في وجوههم من أثر السجود في صلاتهم. ثم اختلف أهل التأويل في السيما الذي عناه الله في هذا الموضع، فقال بعضهم: ذلك علامة يجعلها الله في وجوه المؤمنين يوم القيامة، يعرفون بها لما كان من سجودهم له في الدينا. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس { سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أثَرِ السُّجُودِ } قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6