الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا ٱلْقِتَالُ رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ ٱلْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ } * { طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ ٱلأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُواْ ٱللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ }

يقول تعالى ذكره: ويقول الذين صدّقوا الله ورسوله: هلا نزلت سورة من الله تأمرنا بجهاد أعداء الله من الكفار { فإذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ } يعني: أنها محكمة بالبيان والفرائض. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله «فإذَا أُنْزِلَتْ سُورةٌ مُحْدَثَةٌ». وقوله: { وَذُكِرَ فِيها القِتالُ } يقول: وذُكر فيها الأمر بقتال المشركين. وكان قتادة يقول في ذلك ما: حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزّلَتْ سُورَةٌ فإذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيها القِتالُ } قال: كلّ سورة ذُكر فيها الجهاد فهي محكمة، وهي أشدّ القرآن على المنافقين. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة: { وَذُكِرَ فِيها القِتالُ } قال: كل سورة ذُكر فيها القتال فهي محكمة. وقوله: { رأيْتَ الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } يقول: رأيت الذين في قلوبهم شك في دين الله وضعف { يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ } يا محمد، { نَظَرَ المَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ } ، خوفاً أن تغزيهم وتأمرهم بالجهاد مع المسلمين، فهم خوفاً من ذلك وتجبنا عن لقاء العدوّ ينظرون إليك نظر المغشيّ عليه الذي قد صرع. وإنما عنى بقوله: { مِنَ المَوْتِ } من خوف الموت، وكان هذا فعل أهل النفاق. كالذي: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { يَنْظُرُونَ إلَيْكَ نَظَرَ المَغْشِيّ عَلَيْهِ مِنَ المَوْتِ } قال: هؤلاء المنافقون طبع الله على قلوبهم، فلا يفقهون ما يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقوله: { فَأَوْلَى لَهُمْ } يقول تعالى ذكره: فأولى لهؤلاء الذين في قلوبهم مرض. وقوله: فأوْلَى لَهُمْ وعيد توعَّد الله به هؤلاء المنافقين. كما: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { فَأَوْلَى لَهُمْ } قال: هذه وعيد، فأولى لهم، ثم انقطع الكلام فقال: { طَاعَةٌ وقَوْلٌ مَعْرُوفٌ }. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { فَأَوْلَى لَهُمْ } قال: وعيد كما تسمعون. وقوله: { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قيل هؤلاء المنافقين من قبل أن تنزل سورة محكمة، ويذكر فيها القتال، وأنهم إذا قيل لهم: إن الله مفترض عليكم الجهاد، قالوا: سمع وطاعة، فقال الله عزّ وجلّ لهم { إذَا أنْزلَتْ سُورَةٌ } وفُرض القتال فيها عليهم، فشقّ ذلك عليهم، وكرهوه { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } قبل وجوب الفرض عليكم، فإذا عزم الأمر كرهتموه وشقّ عليكم. وقوله: { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } مرفوع بمضمر، وهو قولكم قبل نزول فرض القتال { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ }. ورُوي عن ابن عباس بإسناد غيرِ مرتضى أنه قال: قال الله تعالى: { فَأَوْلَى لَهُمْ } ثم قال للذين آمنوا منهم { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } فعلى هذا القول تمام الوعيد فأولى، ثم يستأنف بعد، فيقال لهم { طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } فتكون الطاعة مرفوعة بقوله: لهم.

السابقالتالي
2