الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } * { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } * { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

يقول تعالى ذكره: كما أعطينا هؤلاء المتقين في الآخرة من الكرامة بإدخالناهم الجنات، وإلباسناهم فيها السندس والإستبرق، كذلك أكرمناهم بأن زوّجناهم أيضاً فيها حوراً من النساء، وهن النقيات البياض، واحدتهنّ: حَوْراء. وكان مجاهد يقول في معنى الحُور، ما: حدثني به محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { وزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } قال: أنكحناهم حوراً. قال: والحُور: اللاتي يحار فيهنّ الطرف بادٍ مُخُّ سوقهنّ من وراء ثيابهنّ، ويرى الناظر وجهه في كبد إحداهنّ كالمرآة من رقة الجلد، وصفاء اللون، وهذا الذي قاله مجاهد من أن الحور إنما معناها: أنه يحار فيها الطرف، قول لا معنى له في كلام العرب، لأن الحُور إنما هو جمع حوراء، كالحمر جمع حمراء، والسود: جمع سوداء، والحوراء إنما هي فعلاء من الحور وهو نقاء البياض، كما قيل للنقيّ البياض من الطعام الحُوَّاري. وقد بيَّنا معنى ذلك بشواهده فيما مضى قبل. وبنحو الذي قلنا في معنى ذلك قال سائر أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { كَذَلكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ } قال: بيضاء عيناء، قال: وفي قراءة ابن مسعود «بعِيسٍ عِينٍ». حدثنا بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة، في قوله: { بِحُورٍ عِينٍ } قال: بيض عين، قال: وفي حرف ابن مسعود «بعِيسٍ عِينٍ». وقرأ ابن مسعود هذه، يعني أن معنى الحور غير الذي ذهب إليه مجاهد، لأن العيس عند العرب جمع عيساء، وهي البيضاء من الإبل، كما قال الأعشي:
وَمَهْمَةً نازِحٍ تَعْوِي الذّئابُ بِهِ   كَلَّفْتُ أَعْيَسَ تَحْتَ الرَّحْلِ نَعَّابا
يعني بالأعيس: جملاً أبيض. فأما العين فإنها جمع عيناء، وهي العظيمة العينين من النساء. وقوله: { يَدْعُونَ فِيها... } الآية، يقول: يدعو هؤلاء المتقون في الجنة بكلّ نوع من فواكه الجنة اشتهوه، آمنين فيها من انقطاع ذلك عنهم ونفاده وفنائه، ومن غائلة أذاه ومكروهه، يقول: ليست تلك الفاكهة هنالك كفاكهة الدنيا التي نأكلها، وهم يخافون مكروه عاقبتها، وغب أذاها مع نفادها من عندهم، وعدمها في بعض الأزمنة والأوقات. وكان قتادة يوجه تأويل قوله: { آمنين } إلى ما: حدثنا به بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { يَدْعُونَ فِيهَا بكُلّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ } أمنوا من الموت والأوصاب والشيطان. وقوله: { لا يَذُوقُونَ فِيها المَوْتَ إلاَّ المَوْتَةَ الأُولى } يقول تعالى ذكره: لا يذوق هؤلاء المتقون في الجنة الموت بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا. وكان بعض أهل العربية يوجه «إلاّ» في هذا الموضع إلى أنها في معنى سوى، ويقول: معنى الكلام: لا يذوقون فيها الموت سوى الموتة الأولى، ويمثله بقوله تعالى ذكره:

السابقالتالي
2 3