الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ } * { وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }

اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الكوفة غير عاصم «فَجَعَلْناهُمْ سُلُفاً» بضم السين واللام، توجيهاً ذلك منهم إلى جمع سليف من الناس، وهو المتقدّم أمام القوم. وحَكى الفراء أنه سمع القاسم بن معن يذكر أنه سمع العرب تقول: مضى سليف من الناس. وقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وعاصم: { فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً } بفتح السين واللام. وإذا قُرىء كذلك احتمل أن يكون مراداً به الجماعة والواحد والذكر والأنثى، لأنه يُقال للقوم: أنتم لنا سلف، وقد يُجمع فيقال: هم أسلاف ومنه الخبر الذي رُوي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يَذْهَب الصَّالِحُونَ أَسْلافاً " وكان حُميد الأعرج يقرأ ذلك: «فَجَعَلْناهُمْ سُلَفاً» بضم السين وفتح اللام، توجيهاً منه ذلك إلى جمع سلفة من الناس، مثل أمة منهم وقطعة. وأولى القراءات في ذلك بالصواب قراءة من قرأه بفتح السين واللام، لأنها اللغة الجوداء، والكلام المعروف عند العرب، وأحقّ اللغات أن يُقرأ بها كتاب الله من لغات العرب أفصحها وأشهرها فيهم. فتأويل الكلام إذن: فجعلنا هؤلاء الذين أغرقناهم من قوم فرعون في البحر مقدّمة يتقدمون إلى النار، كفار قومك يا محمد من قريش، وكفار قومك لهم بالأثر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: { فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً للآخرِين } قال: قوم فرعون كفارهم سلفاً لكفار أمة محمد صلى الله عليه وسلم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً } في النار. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر: { فَجَعلْناهُمْ سَلَفاً } قال: سلفاً إلى النار. وقوله: { وَمَثَلاً للآخِرِينَ } يقول: وعبرة وعظة يتعظ بهم مَنْ بعدهم من الأمم، فينتهوا عن الكفر بالله. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد { وَمَثَلاً للآخِرِينَ } قال: عبرة لمن بعدهم. حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة { وَمَثَلاً للآخِرِينَ }: أي عظة للآخرين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَمَثَلاً للآخِرِينَ }: أي عظة لمن بعدهم. حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ { فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً } قال: عبرة. وقوله: { وَلما ضُربَ ابْنُ مَرْيَم مَثَلاً } يقول تعالى ذكره: ولما شبه الله عيسى في إحداثه وإنشائه إياه من غير فحل بآدم، فمثَّله به بأنه خلقه من تراب من غير فحل، إذا قومك يا محمد من ذلك يضجون ويقولون: ما يريد محمد منا إلاَّ أن نتخذه إلهاً نعبده، كما عبدت النصارى المسيح.

السابقالتالي
2 3