الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } * { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ }

يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل فرعون لقومه بعد احتجاجه عليهم بملكه وسلطانه، وبيان لسانه وتمام خلقه، وفضل ما بينه وبين موسى بالصفات التي وصف بها نفسه وموسى: أنا خير أيها القوم، وصفتي هذه الصفة التي وصفت لكم، { أمْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } لا شيء له من المُلك والأموال مع العلة التي في جسده، والآفة التي بلسانه، فلا يكاد من أجلها يبين كلامه؟ وقد اختُلف في معنى قوله: { أمْ } في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناها: بل أنا خير، وقالوا: ذلك خبر، لا استفهام. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد قال: ثنا أسباط، عن السديّ، قوله: { أمْ أنا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } قال: بل أنا خير من هذا. وبنحو ذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة. وقال بعض نحويي الكوفة، هو من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله. قال: وإن شئت رددته على قوله:ألَيْسَ لي مُلْكُ مِصْرَ } ؟ وإذا وجه الكلام إلى أنه استفهام، وجب أن يكون في الكلام محذوف استغني بذكر ما ذكر مما ترك ذكره، ويكون معنى الكلام حينئذٍ: أنا خير أيها القوم من هذا الذي هو مهين، أم هو؟. وذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يقرأ ذلك «أما أنا خَيْرٌ». حُدثت بذلك عن الفرّاء قال: أخبرني بعض المشيخة أنه بلغه أن بعض القرّاء قرأ كذلك، ولو كانت هذه القراءة قراءة مستفيضة في قَرَأة الأمصار لكانت صحيحة، وكان معناها حسناً، غير أنها خلاف ما عليه قرّاء الأمصار، فلا أستجيز القراءة بها، وعلى هذه القراءة لو صحّت لا كلفة له في معناها ولا مؤونة. والصواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار. وأولى التأويلات بالكلام إذ كان ذلك كذلك، تأويل من جعل: أمْ أنا { خَيْرٌ }؟ من الاستفهام الذي جعل بأم، لاتصاله بما قبله من الكلام، ووجهه إلى أنه بمعنى: أأنا خير من هذا الذي هو مهين؟ أم هو؟ ثم ترك ذكر أم هو، لما في الكلام من الدليل عليه. وعنى بقوله: { مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ }: من هذا الذي هو ضعيف لقلَّة ماله، وأنه ليس له من الملك والسلطان ماله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { أمْ أنا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِين } قال: ضعيف. حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ { مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ } قال: المهين: الضعيف. وقوله: { وَلا يَكادُ يُبِينُ } يقول: ولا يكاد يُبين الكلام من عِيّ لسانه.

السابقالتالي
2 3