الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } * { وَٱلَّذِينَ ٱسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }

يقول تعالى ذكره: وما عند الله للذين آمنوا { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْمِ } ، وكبائر فواحش الإثم، قد بيَّنا اختلاف أهل التأويل فيها وبيَّنا الصواب من القول عندنا فيها في سورة النساء، فأغنى ذلك عن إعادته ههنا. { وَالفَوَاحِشَ } قيل: إنها الزنى: ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ { والفَوَاحِشَ } قال: الفواحش: الزنى واختلفت القرّاء في قراءة قوله: { كَبائِرَ الإثْمِ } فقرأته عامة قرّاء المدينة على الجماع كذلك في النجم، وقرأته عامة قرّاء الكوفة «كَبِيرَ الإثْمِ» على التوحيد فيهما جميعاً وكأن من قرأ ذلك كذلك، عنى بكبير الإثم: الشرك، كما كان الفرّاء يقول: كأني أستحب لمن قرأ كبائر الإثم أن يخفض الفواحش، لتكون الكبائر مضافة إلى مجموع إذ كانت جمعاً، وقال: ما سمعت أحداً من القرّاء خفض الفواحش. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القرّاء على تقارب معنييهما، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. وقوله: { وَإذَا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } يقول تعالى ذكره: وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جرماً، هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه، ويصفحون عنه عقوبة ذنبه. وقوله: { وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ وأقامُوا الصَّلاةَ } يقول تعالى ذكره: والذين أجابوا لربهم حين دعاهم إلى توحيده، والإقرار بوحدانيته والبراءة من عبادة كل ما يعبد دونه { وأقامُوا الصَّلاةَ } المفروضة بحدودها في أوقاتها { وأمْرهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } يقول: وإذا حزبهم أمر تشاوروا بينهم، { ومِمَّا رَزْقْناهُمْ يُنْفِقُونَ } يقول: ومن الأموال التي رزقناهم ينفقون في سبيل الله، ويؤدّون ما فرض عليهم من الحقوق لأهلها من زكاة ونفقة على من تجب عليه نفقته. وكان ابن زيد يقول: عنى بقوله: { وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ... } الآية الأنصار. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الإثْم والفَوَاحِشَ وَإذَا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ } قال: فبدأ بهم { وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبّهِمْ } الأنصار { وأقامُوا الصَّلاةَ } وليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم { وأمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } ليس فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً.