الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ تَرَى ٱلظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ ٱلْجَنَّاتِ لَهُمْ مَّا يَشَآءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ }

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ترى يا محمد الكافرين بالله يوم القيامة { مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا } يقول: وَجِلِين خائفين من عقاب الله على ما كسبوا في الدنيا من أعمالهم الخبيثة. { وَهُوَ وَاقِعٌ بهِمْ } يقول: والذين هم مشفقون منه من عذاب الله نازل بهم، وهم ذائقوه لا محالة. وقوله: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ } يقول تعالى ذكره: والذين آمنوا بالله وأطاعوه فيما أمر ونهى في الدنيا في روضات البساتين في الآخرة. ويعني بالروضات: جمع روضة، وهي المكان الذي يكثر نبته، ولا تقول العرب لمواضع الأشجار رياض ومنه قول أبي النجم.
والنَّغضَ مِثْلَ الأجْرَبِ المُدَّجَّلِ   حَدَائِقَ الرَّوْضِ التي لَمْ تُحْلَلِ
يعني بالروض: جمع روضة. وإنما عنى جلّ ثناؤه بذلك: الخبر عما هم فيه من السرور والنعيم. كما: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضَاتِ الجَنَّاتِ } إلى آخر الآية. قال في رياض الجنة ونعيمها. وقوله: { لَهمْ ما يَشاءُونَ عِنْدَ رَبَّهِمْ } يقول للذين آمنوا وعملوا الصالحات عند ربهم في الآخرة ما تشتهيه أنفسهم، وتلذّه أعينهم، ذلك هو الفضل الكبير، يقول تعالى ذكره: هذا الذي أعطاهم الله من هذا النعيم، وهذه الكرامة في الآخرة: هو الفضل من الله عليهم، الكبير الذي يفضل كلّ نعيم وكرامة في الدنيا من بعض أهلها على بعض.