الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ } * { لاَّ يَسْأَمُ ٱلإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ ٱلْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ ٱلشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ }

يقول تعالى ذكره: وضلّ عن هؤلاء المشركين يوم القيامة آلهتهم التي كانوا يعبدونها في الدنيا، فأخذ بها طريق غير طريقهم، فلم تنفعهم، ولم تدفع عنهم شيئاً من عذاب الله الذي حلّ بهم. وقوله: { وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ } يقول: وأيقنوا حينئذٍ ما لهم من ملجأ: أي ليس لهم ملجأ يلجأون إليه من عذاب الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ { وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ }: استيقنوا أنه ليس لهم ملجأ. واختلف أهل العربية في المعنى الذي من أجله أبطل عمل الظنّ في هذا الموضع، فقال بعض أهل البصرة: فعل ذلك، لأن معنى قوله: { وَظَنُّوا }: استيقنوا. قال: و { ما } ههنا حرف وليس باسم، والفعل لا يعمل في مثل هذا، فلذلك جعل الفعل ملغًى. وقال بعضهم: ليس يلغى الفعل وهو عامل في المعنى إلا لعلة. قال: والعلة أنه حكاية، فإذا وقع على ما لم يعمل فيه كان حكايةً وتمنياً، وإذا عمل فهو على أصله. وقوله: { لاَ يَسأَمُ الإنْسانُ مِنْ دُعاءِ الخَيرِ } يقول تعالى ذكره: لا يملّ الكافر بالله من دعاء الخير، يعني من دعائه بالخير، ومسألته إياه ربَّه. والخير في هذا الموضع: المال وصحة الجسم، يقول: لا يملّ من طلب ذلك { وَإنْ مَسَّهُ الشَّرُّ } يقول: وإن ناله ضرّ في نفسه من سُقم أو جهد في معيشته، أو احتباس من رزقه { فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ } يقول: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشرّ النازل به عنه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ { لا يَسأَمُ الإنْسانُ مِنْ دُعاءِ الخَيْرِ } يقول: الكافر { وَإنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤسٌ قَنُوطٌ }: قانط من الخير. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { لا يَسأَمُ الإنْسانُ } قال: لا يملّ. وذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله: «لا يَسأَمُ الإنْسانُ مِنْ دُعاءٍ بالخَيْرِ».