الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } * { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيۤ آيَاتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ }

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل لهم يا محمد: { هوَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ } يقول قل لهم: ومن صفته جل ثناؤه أنه هو الذي يحيي من يشاء بعد مماته، ويميت من يشاء من الأحياء بعد حياته و { إذَا قَضَى أمْراً } يقول: وإذا قضى كون أمر من الأمور التي يريد تكوينها { فإنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ } يعني للذي يريد تكوينه كن، فيكون ما أراد تكوينه موجوداً بغير معاناة، ولا كلفة مؤنة. وقوله: { ألَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أنَّى يُصْرَفُونَ } يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ألم تر يا محمد هؤلاء المشركين من قومك، الذين يخاصمونك في حجج الله وآياته { أنَّى يُصْرَفُونَ } يقول: أيّ وجه يصرفون عن الحق، ويعدلون عن الرشد، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { أنَّى يُصْرَفُونَ }: أنى يكذبون ويعدلون. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { أنَّى يُصْرَفُونَ } قال: يُصْرَفُونَ عن الحقّ. واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عنى بها أهل القدر. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى، قالا: ثنا مؤمل، قال: ثنا سفيان، عن داود بن أبي هند، عن محمد بن سيرين، قال: إن لم تكن هذه الآية نزلت في القدرية، فإني لا أدري فيمن نزلت: { ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أنى يُصْرَفُونَ } إلى قوله:لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كذَلكَ يُضِلّ اللَّهُ الكافِرِينَ } حدثني عليّ بن سهل، قال: ثنا زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان، عن داود بن أبي هند، عن ابن سيرين، قال: إن لم يكن أهل القدر الذين يخوضون في آيات الله فلا علم لنا به. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني مالك بن أبي الخير الزيادي، عن أبي قبيل، قال: أخبرني عقبة بن عامر الجهني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " سَيَهْلِكُ مِنْ أُمَّتِي أهْلُ الكِتابِ، وأهْلُ اللِّينِ " فقال عقبة: يا رسول الله، وما أهل الكتاب؟ قال: " قَوْمٌ يَتَعَلَّمُونَ كِتابَ اللَّهِ يُجادِلُونَ الَّذِينَ آمَنُوا " فقال عقبة: يا رسول الله، وما أهل اللِّين؟ قال: " قَوْمٌ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، ويُضَيِّعُونَ الصَّلَوَاتِ ". قال أبو قبيل: لا أحسب المكذّبين بالقدر إلا الذين يجادلون الذين آمنوا، وأما أهل اللِّين، فلا أحسبهم إلا أهل العمود ليس عليهم إمام جماعة، ولا يعرفون شهر رمضان. وقال آخرون: بل عنى به أهل الشرك. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله: { ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أنى يُصْرَفُونَ } قال: هؤلاء المشركون. والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن زيد وقد بين الله حقيقة ذلك بقوله:الَّذِينَ كَذَّبُوا بالْكِتَابِ وبِمَا أرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا }