الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءَامَنُواْ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوۤاْ إِلَى ٱلطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوۤاْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيداً }

يعني بذلك جلّ ثناؤه: ألم تر يا محمد بقلبك فتعلم إلى الذين يزعمون أنهم صدّقوا بما أنزل إليك من الكتاب، وإلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل من قلبك من الكتب: { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ } في خصومتهم { إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ } يعني: إلى من يعظمونه، ويصدرون عن قوله، ويرضون بحكمه من دون حكم الله. { وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } يقول: وقد أمرهم الله أن يكذّبوا بما جاءهم به الطاغوت الذي يتحاكون إليه، فتركوا أمر الله، واتبعوا أمر الشيطان. { وَيُرِيدُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَـٰلاً بَعِيداً } يعني أن الشيطان يريد أن يصدّ هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الحق والهدى، فيضلهم عنها ضلالاً بعيداً، يعني: فيجور بهم عنها جوراً شديداً. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجل من المنافقين دعا رجلاً من اليهود في خصومة كانت بينهما إلى بعض الكهان ليحكم بينهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن المثنى، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ } قال: كان بين رجل من اليهود ورجل من المنافقين خصومة، فكان المنافق يدعو إلى اليهود لأنه يعلم أنهم يقبلون الرشوة، وكان اليهودي يدعو إلى المسلمين لأنه يعلم أنهم لا يقبلون الرشوة، فاصطلحا أن يتحاكما إلى كاهن من جُهينة، فأنزل الله فيه هذه الآية: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ }... حتى بلغ:وَيُسَلّمُواْ تَسْلِيماً } [النساء: 65]. حدثنا ابن المثنى، قال: ثنا عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عامر في هذه الآية: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } فذكر نحوه، وزاد فيه: فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } يعني المنافقين { وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } يعني اليهود { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ } يقول: إلى الكاهن { وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } أمر هذا في كتابه، وأمر هذا في كتابه أن يكفر بالكاهن. حدثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا ابن علية، عن داود، عن الشعبي، قال: كانت بين رجل ممن يزعم أنه مسلم، وبين رجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: أحاكمك إلى أهل دينك، أو قال: إلى النبيّ لأنه قد علم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأخذ الرشوة في الحكم. فاختلفا، فاتفقا على أن يأتيا كاهناً في جهينة، قال: فنزلت: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ } يعني: الذي من الأنصار { وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } يعني: اليهودي { يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى ٱلطَّـٰغُوتِ } إلى الكاهن { وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ } يعني: أمر هذا في كتابه، وأمر هذا في كتابه.

السابقالتالي
2 3 4