الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَآءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً }

يعني بذلك جلّ ثناؤه: ألم تر يا محمد بقلبك الذين يزكون أنفسهم من اليهود فيبرّئونها من الذنوب، ويطرونها. واختلف أهل التأويل في المعنى الذي كانت اليهود تزكي به أنفسها، فقال بعضهم: كانت تزكيتهم أنفسهم قولهم:نَحْنُ أَبْنَٰؤُءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُاْ } [المائده: 18]. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } وهم أعداء الله اليهود زكوا أنفسهم بأمر لم يبلغوه، فقالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه، وقالوا: لا ذنوب لنا. حدثنا الحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } قال: هم اليهود والنصارى، قالوا:نَحْنُ أَبْنَٰؤُءُ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُاْ } [المائده: 18] وقالوا:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } [البقرة: 111]. وحدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو تميلة، عن عبيد بن سليمان، عن الضحاك، قال: قالت يهود: ليست لنا ذنوب إلا كذنوب أولادنا يوم يولدون، فإن كانت لهم ذنوب، فإن لنا ذنوباً، فإنما نحن مثلهم، قال الله تعالى ذكره:ٱنظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى ٱللَّهِ ٱلكَذِبَ وَكَفَىٰ بِهِ إِثْماً مُّبِيناً } [النساء: 50]. حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } قال: قال أهل الكتاب:لَن يَدْخُلَ ٱلْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَـٰرَىٰ } [البقرة: 111] وقالوا:نَحْنُ أَبْنَٰؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّٰؤُهُ } [المائدة: 18] وقالوا: نحن على الذي يحبّ الله. فقال تبارك وتعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَاءُ } حين زعموا أنهم يدخلون الجنة، وأنهم أبناء الله وأحباؤه وأهل طاعته. حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ ٱللَّهُ يُزَكِّى مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } نزلت في اليهود، قالوا: إنا نعِّلم أبناءنا التوراة صغاراً فلا تكون لهم ذنوب، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا، ما عملنا بالنهار كُفِّر عنا بالليل. وقال آخرون: بل كانت تزكيتهم أنفسهم تقديمهم أطفالهم لإمامتهم في صلاتهم زعماً منها أنهم لا ذنوب لهم. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: { يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ } قال: يهود كانوا يقدّمون صبيانهم في الصلاة فيؤمونهم، يزعمون أنهم لا ذنوب لهم. فتلك التزكية. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن الأعرج، عن مجاهد، قال: كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ويزعمون أنهم لا ذنوب لهم، فتلك تزكية.

السابقالتالي
2 3 4