الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }

يعني بذلك جلّ ثناؤه: إن الله لا يحبّ المختال الفخور، الذي يبخل ويأمر الناس بالبخل. فـ «الذين» يحتمل أن يكون في موضع رفع ردّاً على ما في قوله { فَخُوراً } من ذمّ، ويحتمل أن يكون نصباً على النعت لـ «مَنْ». والبخل في كلام العرب منع الرجل سائله ما لديه وعنده من فضل عنه. كما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، عن ابن طاوس عن أبيه في قوله: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } قال: البخل: أن يبخل الإنسان بما في يديه، والشحّ: أن يشحّ على ما في أيدي الناس. قال: يحبّ أن يكون له ما في أيدي الناس بالحلّ والحرام لا يقنع. واختلف القراء في قراءة قوله: { وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } فقرأته عامة قراء أهل الكوفة: «بالبَخَل» بفتح الباء والخاء. وقرأته عامة قراء أهل المدينة وبعض البصريين بضم الباء: { بِٱلْبُخْلِ }. وهما لغتان فصيحتان بمعنى واحد، وقراءتان معروفتان غير مختلفتي المعنى، فبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب في قراءته. وقد قيل: إن الله جلّ ثناؤه عنى بقوله: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ }: الذين كتموا اسم محمد صلى الله عليه وسلم وصفته من اليهود، ولم يبينوه للناس، وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا المعتمر بن سليمان، عن أبيه، عن الحضرميّ: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } قال: هم اليهود بخلوا بما عندهم من العلم وكتموا ذلك. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ }... إلى قوله:وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً } [النساء: 39] ما بين ذلك في يهود. حدثني المثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } وهم أعداء الله أهل الكتاب، بخلوا بحقّ الله عليهم، وكتموا الإسلام ومحمداً صلى الله عليه وسلم، وهم يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل. حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، أما: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } فهم اليهود، { وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتَـٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } اسم محمد صلى الله عليه وسلم. أو { يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ }: يبخلون باسم محمد صلى الله عليه وسلم، ويأمر بعضهم بعضاً بكتمانه. حدثنا محمد بن مسلم الرازي، قال: ثني أبو جعفر الرازي، قال: ثنا يحيـى، عن عارم، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، في قوله: { ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ } قال: هذا للعلم، ليس للدنيا منه شيء.

السابقالتالي
2 3