الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصْلَٰحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً }

يعني بقوله جلّ ثناؤه: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } وإن علمتم أيها الناس شقاق بينهما، وذلك مشاقة كل واحد منهما صاحبه، وهو إتيانه ما يشقّ عليه من الأمور، فأما من المرأة فالنشوز، وتركها أداء حقّ الله عليها الذي ألزمها الله لزوجها وأما من الزوج فتركه إمساكها بالمعروف، أو تسريحها بإحسان. والشقاق: مصدر من قول القائل: شاق فلان فلاناً: إذا أتى كل واحد منهما إلى صاحبه ما يشقّ عليه من الأمور، فهو يشاقه مشاقة وشقاقاً وذلك قد يكون عداوة، كما: حدثنا محمد بن الحسن، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ، في قوله: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا } قال: إن ضربها فأبت أن ترجع وشاقّته، يقول: عادته. وإنما أضيف الشقاق إلى البين، لأن البين قد يكون اسماً، كما قال جلّ ثناؤه:لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ } [الأنعام: 94] في قراءة من قرأ ذلك. وأما قوله: { فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا } فإن أهل التأويل اختلفوا في المخاطبين بهذه الآية من المأمور ببعثة الحكمين، فقال بعضهم: المأمور بذلك: السلطان الذي يرفع ذلك إليه. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن بشار، قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا أيوب، عن سعيد بن جبير أنه قال في المختلعة: يعظها، فإن انتهت وإلا هجرها، فإن انتهت وإلا ضربها، فإن انتهت وإلا رفع أمرها إلى السلطان، فيبعث حكماً من أهله وحكماً من أهلها، فيقول الحكم الذي من أهلها: يفعل بها كذا، ويقول الحكم الذي من أهله: تفعل به كذا، فأيهما كان الظالم ردّه السلطان وأخذ فوق يديه، وإن كانت ناشزاً أمره أن يخلع. حدثنا يحيـى بن أبي طالب، قال: ثنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك: وَإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما، فابْعَثُوا حَكَما مِنْ أهْلِهِ وَحَكَما مِنْ أهْلِها } قال: بل ذلك إلى السلطان. وقال آخرون: بل المأمور بذلك الرجل والمرأة. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد بن المفضل، قال: ثنا أسباط، عن السديّ: { وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مّنْ أَهْلِهَا } إن ضربها فإن رجعت فإنه ليس له عليها سبيل، فإن أبت أن ترجع وشاقته، فليبعث حكماً من أهله وتبعث حكماً من أهلها. ثم اختلف أهل التأويل فيما يبعث له الحكمان، وما الذي يجوز للحكمين من الحكم بينهما، وكيف وجه بعثهما بينهما؟ فقال بعضهم: يبعثهما الزوجان بتوكيل منهما إياهما بالنظر بينهما، وليس لهما أن يعملا شيئاً في أمرهما إلا ما وكلاهما به، أو وكله كل واحد منهما بما إليه، فيعملان بما وكلهما به من وكلهما من الرجل والمرأة فيما يجوز توكيلهما فيه، أو توكيل من وكل منهما في ذلك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8