الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَٰقاً غَلِيظاً }

يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ }: وعلـى أيّ وجه تأخذون من نسائكم ما آتـيتـموهنّ من صدقاتهنّ إذا أردتـم طلاقهنّ واستبدال غيرهنّ بهنّ أزواجاً، وقد أفضى بعضكم إلـى بعضكم فتباشرتـم وتلامستـم. وهذا كلام وإن كان مخرجه مخرج الاستفهام فإنه فـي معنى النكير والتغلـيظ، كما يقول الرجل لآخر: كيف تفعل كذا وكذا وأنا غير راض به؟ علـى معنى التهديد والوعيد. وأما الإفضاء إلـى الشيء فإنه الوصول إلـيه بـالـمبـاشرة له، كما قال الشاعر:
بِلـىً... أفْضَى إلـى كُتْبِةٍ   بَدَا سيرُها مِنْ بـاطِنٍ بَعْدَ ظاهِرِ
يعنـي بذلك: أن الفساد والبلـى وصل إلـى الـخُرَز. والذي عُنـي به الإفضاء فـي هذا الـموضع: الـجماع فـي الفرج. فتأويـل الكلام إذ كان ذلك معناه: وكيف تأخذون ما آتـيتـموهنّ وقد أفضى بعضكم إلـى بعض بـالـجماع؟. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي عبد الـحميد بن بـيان القناد، قال: ثنا إسحاق، عن سفـيان، عن عاصم، عن بكر بن عبد الله، عن ابن عبـاس، قال: الإفضاء: الـمبـاشرة، ولكن الله كريـم يكنـي عما يشاء. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفـيان، عن عاصم، عن بكر، عن ابن عبـاس قال: الإفضاء: الـجماع، ولكن اللّهِ يكنـي. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن عاصم بن بكر بن عبد الله الـمزنـي، عن ابن عبـاس، قال: الإفضاء: هو الـجماع. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } قال: مـجامعة النساء. حدثنـي الـمثنى، قال: ثنا أبو حذيفة، قال: ثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ } يعنـي: الـمـجامعة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: { وَأَخَذْنَ مِنكُم مّيثَـٰقاً غَلِيظاً }. أما ما وثقت به لهنّ علـى أنفسكم من عهد، وإقرار منكم بـما أقررتـم به علـى أنفسكم، من إمساكهنّ بـمعروف، أو تسريحهنّ بإحسان، وكان فـي عقد الـمسلـمين النكاح قديـماً، فـيـما بلغنا أن يقال للناكح: آلله علـيك لتـمسكنّ بـمعروف أو لتسرحنّ بإحسان. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَـٰقاً غَلِيظاً } والـميثاق الغلـيظ الذي أخذه للنساء علـى الرجال: إمساك بـمعروف أو تسريح بإحسان. وقد كان فـي عهد الـمسلـمين عند إنكاحهم: آللّهِ علـيك لتـمسكنّ بـمعروف أو لتسرحنّ بإحسان. واختلف أهل التأويـل فـي الـميثاق الذي عنى الله جلّ ثناؤه بقوله: { وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَـٰقاً غَلِيظاً }. فقال بعضهم: هو إمساك بـمعروف، أو تسريح بإحسان.

السابقالتالي
2 3 4