الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ ٱللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيماً }

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: إنا أوحينا إلـيك، كما أوحينا إلـى نوح، وإلـى رسل قد قصصناهم علـيك، ورسل لـم نقصصهم علـيك. فلعل قائلاً أن يقول: فإذا كان ذلك معناه، فما بـال قوله: { وَرُسُلاً } منصوبـاً غير مخفوض؟ قـيـل: نصب ذلك إذا لـم تعد علـيه «إلـى» التـي خفضت الأسماء قبله، وكانت الأسماء قبلها وإن كانت مخفوضة، فإنها فـي معنى النصب، لأن معنى الكلام: إنا أرسلناك رسولاً كما أرسلنا نوحاً والنبـيـين من بعده، فعطفت الرسل علـى معنى الأسماء قبلها فـي الإعراب، لانقطاعها عنها دون ألفـاظها، إذ لـم يعد علـيها ما خفضها، كما قال الشَّاعر:
لَوْ جِئْتَ بـالـخُبْزِ لَهُ مُنَشَّرَا   والبَـيْضَ مَطْبُوخاً مَعاً والسُّكَّرَا
لـمْ يُرْضِهِ ذَلِكَ حتـى يَسْكَرَا   
وقد يحتـمل أن يكون نصب الرسل، لتعلق الواو بـالفعل، بـمعنى: وقصصنا رسلاً علـيك من قبل، كما قال جلّ ثناؤه:يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً } [الإنسان: 31]، وقد ذكر أن ذلك فـي قراءة أُبَـيّ: «وَرُسُلٌ قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَـيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلٌ لَـمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَـيْكَ» فرفع ذلك إذا قرىء كذلك بعائد الذكر فـي قوله: { قَصَصْناهُمْ عَلَـيْكَ }. وأما قوله: وكَلَّـمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِـيـماً فإنه يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وخاطب الله بكلامه موسى خطابـاً. وقد: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا نوح بن أبـي مريـم، وسئل: كيف كلَّـم الله موسى تكلـيـماً؟ فقال: مشافهة. وقد حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن ابن مبـارك، عن معمر ويونس، عن الزهري، عن أبـي بكر بن عبد الرحمن بن الـحرث بن هشام، قال: أخبرنـي جزء بن جابر الـخثعمي، قال: سمعت كعبـاً يقول: إن الله جلّ ثناؤه لـمَّا كلـم موسى، كلـمه بـالألسنة كلها قبل كلامه يعنـي كلام موسى فجعل يقول: يا ربّ لا أفهم حتـى كلـمه بلسانه آخر الألسنة، فقال: يا ربّ هكذا كلامك؟ قال: لا، ولو سمعت كلامي أي علـى وجهه لـم تك شيئاً. قال ابن وكيع، قال أبو أسامة: وزادنـي أبو بكر الصغانـي فـي هذا الـحديث: أن موسى قال: يا ربّ هل فـي خـلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا، وأقرب خـلقـي شبهاً بكلامي، أشدّ ما تسمع الناس من الصواعق. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو أسامة، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر، قال: سمعت مـحمد بن كعب القُرَظيّ، يقول: سئل موسى: ما شبَّهتَ كلام ربك مـما خـلق؟ فقال موسى: الرعد الساكن. حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرنـي يونس، عن ابن شهاب، قال: أخبرنـي أبو بكر بن عبد الرحمن، أنه أخبره عن جزء بن جابر الـخثعمي، قال: لـما كلـم الله موسى بـالألسنة كلها قبل لسانه، فطفق يقول: والله يا ربّ ما أفقه هذا حتـى كلـمه بلسانه آخر الألسنة بـمثل صوته، فقال موسى: يا ربّ هذا كلامك؟ قال: لا، قال: هل فـي خـلقك شيء يشبه كلامك؟ قال: لا، وأقرب خـلقـي شبهاً بكلامي، أشدّ ما يسمع الناس من الصواعق.

السابقالتالي
2