الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوۤءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ ٱللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً }

اختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار بضمّ الظاء.وقرأه بعضهم: «إلاّ مَنْ ظَلَمَ» بفتح الظاء. ثم اختلف الذين قرءوا ذلك بضمّ الظاء في تأويله فقال بعضهم: معنى ذلك: لا يحب الله تعالى ذكره أني جهر أحدنا بالدعاء على أحد، وذلك عندهم هو الجهر بالسوء إلاَّ مَنْ ظُلِم يقول: إلا من ظُلم فيدعو على ظالمه، فإن الله جلّ ثناؤه لا يكره له ذلك، لأنه قد رخص له في ذلك. ذكر مَن قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قوله: لا يُحبُّ الله الجَهْرَ بالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ يقول: لا يحبّ الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوماً، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظَلَمَه، وذلك قوله: إلاَّ مَنْ ظُلِمَ وإن صبر فهو خير له. حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: { لا يُحِبُّ الله الجَهْرَ بالسُّوءِ مِنَ القَوْلِ إلاَّ مَنْ ظُلمَ } فإنه يحبّ الجهر بالسوء من القول. حدثنا بشر بن معاذ، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { لايُحِبُّ الله الجِهْرَ بالسُّوءِ منَ القَوْلِ إلاَّ مَنْ ظُلِمَ وكانَ الله سَمِيعَاً عَليماً } عذر الله المظلوم كما تسمعون أن يدعو. حدثني الحرث، قال: ثنا أبو عبيد، قال: ثناهشيم، عن يونس، عن الحسن، قال: هو الرجل يظلم الرجل، فلا يدْعُ عليه، ولكن ليقل: اللهمّ أعني عليه اللهمّ استخرج لي حقي اللهمّ حل بينه وبين ما يريد ونحوه من الدعاء. فـ «مَنْ» على قول ابن عباس هذا في موضع رفع، لأنه وجهه إلى أن الجهر بالسوء في معنى الدعاء، واستثنى المظلوم منه، فكان معنى الكلام على قوله: لا يحبّ الله أن يجهر بالسوء من القول، إلا المظلوم فلا حرج عليه في الجهر به. وهذا مذهب يراه أهل العربية خطأ في العربية، وذلك أن «مَن» لا يجوز أن يكون رفعاً عندهم بالجهر،لأنها في صلة «أنْ»، وأنْ لم ينله الجحد فلا يجوز العطف عليه من الخطإ عندهم أن يقال: لا يعجبني أن يقوم إلا زيد. وقد يحتمل أن تكون «مَنْ» نصباً على تأويل قول ابن عباس، ويكون قوله: { لا يُحِبُّ الله الجَهْرِ بالسُّوءِ منَ القَوْلِ } كلاماً تامّاً، ثم قيل: إلاَّ مَنْ ظُلِمَ فلا حرج عليه، فيكون «مَنْ» استثناء من الفعل، وإن لم يكن قبل الاستثناء شيء ظاهر يستثنى منه، كما قال جلّ ثناؤه: لَسْت عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ، إلاَّ مَنْ تَوَلى وكَفَرَ وكقولهم: إني لأكره الخصومة والمراء، اللهمّ إلا رجلاً يريد الله بذلك.

السابقالتالي
2 3 4