الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا ٱلسُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُنْ لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ ٱلثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ ٱلسُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }

يعنـي جلّ ثناؤه بقوله: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ }: بعهد الله إلـيكم، { فِى أَوْلَـٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلاْنْثَيَيْنِ } يقول يعهد إلـيكم ربكم إذا مات الـميت منكم، وخـلف أولاداً ذكوراً وإناثاً، فلولده الذكور والإناث ميراثه أجمع بـينهم، للذكر منهم مثل حظّ الأنثـيـين، إذا لـم يكن له وارث غيرهم، سواء فـيه صغار ولده وكبـارهم وإناثهم فـي أن جميع ذلك بـينهم للذكر مثل حظّ الأنثـيـين ورفع قوله: «مثل»، بـالصفة، وهي اللام التـي فـي قوله: { لِلذّكْرِ } ولـم ينصب بقوله: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ } لأن الوصية فـي هذا الـموضع عهد وإعلام بـمعنى القول، والقول لا يقع علـى الأسماء الـمخبر عنها، فكأنه قـيـل: يقول الله تعالـى ذكره: لكم فـي أولادكم للذكر منهم مثل حظّ الأنثـيـين. وقد ذكر أن هذه الآية نزلت علـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم تبـيـيناً من الله الواجب من الـحكم فـي ميراث من مات وخـلف ورثة علـى ما بـيّن، لأن أهل الـجاهلـية كانوا لا يقسمون من ميراث الـميت لأحد من ورثته بعده مـمن كان لا يلاقـي العدوّ ولا يقاتل فـي الـحروب من صغار ولده، ولا للنساء منهم، وكانو يخصون بذلك الـمقاتلة دون الذرية، فأخبر الله جلّ ثناؤه أن ما خـلفه الـميت بـين من سمى وفرض له ميراثاً فـي هذه الآية وفـي آخر هذه السورة، فقال فـي صغار ولد الـميت وكبـارهم وإناثهم: لهم ميراث أبـيهم إذا لـم يكن له وارث غيرهم، للذكر مثل حظّ الأنثـيـين. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن مفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِى أَوْلَـٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } كان أهل الـجاهلـية لا يورّثون الـجواري، ولا الصغار من الغلـمان، لا يرث الرجلَ من ولده إلا من أطاق القتال. فمات عبد الرحمن أخو حسان الشاعر، وترك امرأة يقال لها أم كُحة وترك خمس أخوت، فجاءت الورثة يأخذون ماله، فشكت أم كحة ذلك إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تبـارك وتعالـى هذه الآية: { فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وٰحِدَةً فَلَهَا ٱلنِّصْفُ } ثم قال فـي أم كحة:وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ } [النساء: 12]. حدثنا مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس: { يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِى أَوْلَـٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِ ٱلأُنْثَيَيْنِ } وذلك أنه لـما نزلت الفرائض التـي فرض الله فـيها ما فرض للولد الذكر والأنثى والأبوين كرهها الناس أو بعضهم، وقالوا: تعطى الـمرأة الربع والثمن، وتعطى الابنة النصف، ويعطى الغلام الصغير، ولـيس من هؤلاء أحد يقاتل القوم ولا يحوز الغنـيـمة! اسكتوا عن هذا الـحديث، لعلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ينساه، أو نقول له فـيغيره! فقال بعضهم: يا رسول الله، أنعطي الـجارية نصف ما ترك أبوها، ولـيست تركب الفرس، ولا تقاتل القوم، ونعطي الصبـيّ الـميراث، ولـيس يغنـي شيئاً؟ وكانوا يفعلون ذلك فـي الـجاهلـية، لا يعطون الـميراث إلا من قاتل، ويعطونه الأكبر فـالأكبر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9