الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلَٰوةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوۤاْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُمْ مَّرْضَىۤ أَن تَضَعُوۤاْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً }

يعني بذلك جلّ ثناؤه: وإذا كنت في الضاربين في الأرض من أصحابك يا محمد الخائفين عدوّهم أن يفتنهم، { فأَقَمْتَ لَهُمُ ٱلصَّلـٰةَ } يقول: فأقمت لهم الصلاة بحدودها وركوعها وسجودها، ولم تقصرها القصر الذي أبحت لهم أن يقصروها في حال تلاقيهم وعدوّهم وتزاحف بعضهم على بعض، من ترك إقامة حدودها وركوعها وسجودها وسائر فروضها، { فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُمْ مَّعَكَ } يعني: فلتقم فرقة من أصحابك الذين تكون أنت فيهم معك في صلاتك، وليكن سائرهم في وجوه العدوّ. وترك ذكر ما ينبغي لسائر الطوائف غير المصلية مع النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يفعله لدلالة الكلام المذكور على المراد به والاستغناء بما ذكر عما ترك ذكره. { وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ }. واختلف أهل التأويل في الطائفة المأمورة بأخذ السلاح، فقال بعضهم: هي الطائفة التي كانت تصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ومعنى الكلام: { وَلْيَأْخُذُواْ } يقول: ولتأخذ الطائفة المصلية معك من طوائفهم { أَسْلِحَتَهُمْ } ، والسلاح الذي أمروا بأخذه عندهم في صلاتهم كالسيف يتقلده أحدهم والسكين والخنجر يشدّه إلى درعه وثيابه التي هي عليه ونحو ذلك من سلاحه. وقال آخرون: بل الطائفة المأمورة بأخذ السلاح منهم، الطائفة التي كانت بازاء العدوّ ودون المصلية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك قول ابن عباس. حدثني بذلك المثنى، قال: ثنا أبو صالح، ثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عباس: { فَإِذَا سَجَدُواْ } يقول: فإذا سجدت الطائفة التي قامت معك في صلاتك تصلي بصلاتك، ففرغت من سجودها. { فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ } يقول: فليصيروا بعد فراغهم من سجودهم خلفكم مصافي العدوّ في المكان الذي فيه سائر الطوائف التي لم تصلّ معك ولم تدخل معك في صلاتك. ثم اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: { فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَائِكُمْ } فقال بعضهم: تأويله: فإذا صلوا ففرغوا من صلاتهم فليكونوا من ورائكم. ثم اختلف أهل هذه المقالة، فقال بعضهم: إذا صلت هذه الطائفة مع الإمام ركعة، سلمت وانصرفت من صلاتها حتى تأتي مقام أصحابها بازاء العدوّ ولا قضاء عليها، وهم الذين قالوا: عنى الله بقوله:فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَٰوةِ } [النساء: 101]: أن تجعلوها إذا خفتم الذين كفروا أن يفتنوكم ركعة. ورووا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه صلى بطائفة صلاة الخوف ركعة ولم يقضوا، وبطائفة أخرى ركعة ولم يقضوا. وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى وفيما ذكرنا كفاية عن استيعاب ذكر جميع ما فيه. وقال آخرون منهم: بل الواجب كان على هذه الطائفة التي أمرها الله بالقيام مع نبيها إذا أراد إقامة الصلاة بهم في حال خوف العدوّ إذا فرغت من ركعتها التي أمرها الله أن تصلي مع النبيّ صلى الله عليه وسلم على ما أمرها به في كتابه أن تقوم في مقامها الذي صلت فيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصلى لأنفسها بقية صلاتها وتسلم، وتأتي مصافِّ أصحابها، وكان على النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يثبت قائماً في مقامه حتى تفرغ الطائفة التي صلت معه الركعة الأولى من بقية صلاتها، إذا كانت صلاتها التي صلت معه مما يجوز قصر عددها عن الواجب الذي على المقيمين في أمن، وتذهب إلى مصافّ أصحابها، وتأتي الطائفة الأخرى التي كانت مصافة عدوّها، فيصلي بها ركعة أخرى من صلاتها.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد