الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

اختلف أهل التأويل في الذين عُنُوا بهذه الآية، فقال بعضهم: عني بها قوم من أهل الشرك، قالوا لما دعوا إلى الإيمان بالله: كيف نؤمن وقد أشركنا وزنينا، وقتلنا النفس التي حرّم الله، والله يعد فاعل ذلك النار، فما ينفعنا مع ما قد سلف منا الإيمان، فنزلت هذه الآية. ذكر من قال ذلك: حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: { قُل يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } وذلك أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أنه من عبد الأوثان، ودعا مع الله إلها آخر، وقتل النفس التي حرّم الله لم يغفر له، فكيف نهاجر ونسلم، وقد عبدنا الآلهة، وقتلنا النفس التي حرّم الله ونحن أهل الشرك؟ فأنزل الله: { يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } يقول: لا تيأسوا من رحمتي، إن الله يغفر الذنوب جميعاً وقال:وأنِيبُوا إلى رَبِّكُمْ وأسْلِمُوا لَهُ } وإنما يعاتب الله أولي الألباب وإنما الحلال والحرام لأهل الإيمان، فإياهم عاتب، وإياهم أمر إن أسرف أحدهم على نفسه، أن لا يقنط من رحمة الله، وأن ينيب ولا يبطىء بالتوبة من ذلك الإسراف، والذنب الذي عمل وقد ذكر الله في سورة آل عمران المؤمنين حين سألوا الله المغفرة، فقالوا:رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإسْرافَنا فِي أمْرِنا وَثَبِّتْ أقْدَامَنا } فينبغي أن يعلم أنهم قد كانوا يصيبون الإسراف، فأمرهم بالتوبة من إسرافهم. حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: { الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ } قال: قتل النفس في الجاهلية. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، قال: ثني ابن إسحاق، عن بعض أصحابه، عن عطاء بن يسار، قال: نزلت هذه الآيات الثلاث بالمدينة في وحشيّ وأصحابه { يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ } إلى قوله:مِنْ قَبْلِ أنْ يَأْتِيكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وأنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ } حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني أبو صخر، قال: قال زيد بن أسلم، في قوله: { يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ } قال: إنما هي للمشركين. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ } حتى بلغ { الذُّنُوبَ جَمِيعاً } قال: ذكر لنا أن أناساً أصابوا ذنوباً عظاماً في الجاهلية، فلما جاء الإسلام أشفقوا أن لا يُتاب عليهم، فدعاهم الله بهذه الآية: { يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ }. حدثنا محمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السديّ في قوله: { يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ } قال: هؤلاء المشركون من أهل مكة، قالوا: كيف نجيبك وأنت تزعم أنه من زنى، أو قتل، أو أشرك بالرحمن كان هالكاً من أهل النار؟ فكلّ هذه الأعمال قد عملناها فأنزلت فيهم هذه الآية: { يا عِبادِيَ الَّذِينَ أسْرَفُوا على أنْفُسِهِمْ }.

السابقالتالي
2 3 4