الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ قَالَهَا ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَمَآ أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْ هَـٰؤُلاَءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُواْ وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ }

يقول تعالى ذكره: قد قال هذه المقالة يعني قولهم: لنعمة الله التي خولهم وهم مشركون: أوتيناه على علم عندنا { الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } يعني: الذي من قبل مشركي قُرَيش من الأمم الخالية لرسلها، تكذيباً منهم لهم، واستهزاء بهم. وقوله: { فَمَا أغْنَى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسَبُونَ } يقول: فلم يغن عنهم حين أتاهم بأس الله على تكذيبهم رسل الله واستهزائهم بهم ما كانوا يكسبون من الأعمال، وذلك عبادتهم الأوثان. يقول: لم تنفعهم خدمتهم إياها، ولم تشفع آلهتهم لهم عند الله حينئذ، ولكنها أسلمتهم وتبرأت منهم. وقوله: { فأَصَابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا } يقول: فأصاب الذين قالوا هذه المقالة من الأمم الخالية، وبال سيئات ما كسبوا من الأعمال، فعوجلوا بالخزي في دار الدنيا، وذلك كقارون الذي قال حين وعظإنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي فَخَسَفَ اللَّهُ بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُون اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرينَ } يقول الله جل ثناؤه: { وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤلاَءِ } يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: والذين كفروا بالله يا محمد من قومك، وظلموا أنفسهم وقالوا هذه المقالة سيُصِيبُهُمْ أيضاً وبال { سيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا } كما أصاب الذين من قبلهم بقيلهموها { وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ } يقول: وما يفوتون ربهم ولا يسبقونه هربا في الأرض من عذابه إذا نزل بهم، ولكنه يصيبهمسُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِد لِسُنةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً } ففعل ذلك بهم، فأحلّ بهم خزيه في عاجل الدنيا فقتلهم بالسيف يوم بدر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: حدثنا محمد بن الحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسباط، عن السدي { قَدْ قَالَها الَّذِينَ مِنَ قَبْلِهِمْ } الأمم الماضية { وَالَّذِينَ ظَلَمُوا } من هؤلاء، قال: من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.