الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ ٱلْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي ٱلنَّارِ } * { لَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَعْدَ ٱللَّهِ لاَ يُخْلِفُ ٱللَّهُ ٱلْمِيعَادَ }

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَـيْهِ كَلِـمَةُ العَذَابِ }: أفمن وجبت علـيه كلـمة العذاب فـي سابق علـم ربك يا مـحمد بكفره به، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { أَفَمَنْ حَقَّ عَلَـيْه كَلِـمَةُ العَذَابِ } بكفره. وقوله: { أَفأنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِـي النَّارِ } يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: أفأنت تنقذ يا مـحمد من هو فـي النار من حق علـيه كلـمة العذاب، فأنت تنقذه فـاستغنى بقوله: { تُنْقِذُ مَنْ فِـي النَّارِ } عن هذا. وكان بعض نـحويـي الكوفة يقول: هذا مـما يراد به استفهام واحد، فـيسبق الاستفهام إلـى غير موضعه، فـيردّ الاستفهام إلـى موضعه الذي هو له. وإنـما الـمعنى والله أعلـم: أفأنت تنقذ من فـي النار من حقَّت علـيه كلـمة العذاب. قال: ومثله من غير الاستفهام:فردّد «أنكم» مرّتـين. والـمعنى والله أعلـم: أيعدكم أنكم مخرجون إذا متـم ومثله قوله:لا تَـحْسَبنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِـمَا أتَوْا ويُحِبُّونَ أنْ يُحْمَدُوا بِـما لَـمْ يَفْعَلُوا فَلا تَـحْسَبَنَّهُمْ بِـمَفـازَة مِنَ العَذَابِ } وكان بعضهم يستـخطىء القول الذي حكيناه عن البصريـين، ويقول: لا تكون فـي قوله: { أَفَأنْتَ تُتْقِذُ مَنْ فِـي النَّارِ } كناية عمن تقدم، لا يقال: القوم ضربت من قام، يقول: الـمعنى: ألتـجرئة أفأنت تُنقذ من فـي النار منهم. وإنـما معنى الكلـمة: أفأنت تهدي يا مـحمد من قد سبق له فـي علـم الله أنه من أهل النار إلـى الإيـمان، فتنقذه من النار بـالإيـمان؟ لست علـى ذلك بقادر. وقوله: { لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقُوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِـيَّةٌ } يقول تعالـى ذكره: لكن الذين اتقوا ربهم بأداء فرائضه واجتناب مـحارمه، لهم فـي الـجنة غرف من فوقها غرف مبنـية علالـيّ بعضها فوق بعض { تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ } يقول تعالـى ذكره: تـجري من تـحت أشجار جناتها الأنهار. وقوله: { وَعَدَ اللّهُ } يقول جلّ ثناؤه: وعدنا هذه الغرف التـي من فوقها غرف مبنـية فـي الـجنة، هؤلاء الـمتقـين { لا يُخْـلفُ اللّهُ الـمِيعادَ } يقول جلّ ثناؤه: والله لا يخـلفهم وعده، ولكنه يوفـي بوعده.