الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ فَٱلْحَقُّ وَٱلْحَقَّ أَقُولُ } * { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } * { قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَآ أَنَآ مِنَ ٱلْمُتَكَلِّفِينَ }

اختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: { قالَ فـالـحَقُّ والـحَقَّ أقُولُ } فقرأه بعض أهل الـحجاز وعامة الكوفـيـين برفع الـحقّ الأوّل، ونصب الثانـي. وفـي رفع الـحقّ الأوّل إذا قُرىء كذلك وجهان: أحدهما رفعه بضمير لله الـحقّ، أو أنا الـحقّ وأقول الـحقّ. والثانـي: أن يكون مرفوعاً بتأويـل قوله: { لأَمْلأَنَّ } فـيكون معنى الكلام حينئذٍ: فـالـحقّ أن أملأ جهنـم منك، كما يقول: عزمة صادقة لآتـينك، فرفع عزمة بتأويـل لآتـينك، لأن تأويـله أن آتـيك، كما قال:ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآياتِ لَـيَسْجُنُنَّهُ } فلا بدّ لقوله:بَدَا لَهُمْ } من مرفوع، وهو مضمر فـي الـمعنى. وقرأ ذلك عامة قرّاء الـمدينة والبصرة وبعض الـمكيـين والكوفـيـين بنصب الـحقّ الأوّل والثانـي كلـيهما، بـمعنى: حقاً لأملأن جهنـم والـحقّ أقول، ثم أدخـلت الألف واللام علـيه، وهو منصوب، لأن دخولهما إذا كان كذلك معنى الكلام وخروجهما منه سواء، كما سواء قولهم: حمداً لله، والـحمد لله عندهم إذا نصب. وقد يحتـمل أن يكون نصبه علـى وجه الإغراء بـمعنى: الزموا الـحقّ، واتبعوا الـحقّ، والأوّل أشبه لأن خطاب من الله لإبلـيس بـما هو فـاعل به وبتُبَّـاعه. وأولـى الأقوال فـي ذلك عندي بـالصواب أن يقال: إنهما قراءتان مستفـيضتان فـي قرأة الأمصار، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، لصحة معنـيـيهما. وأما الـحقّ الثانـي، فلا اختلاف فـي نصبه بـين قرّاء الأمصار كلهم، بـمعنى: وأقول الـحقّ. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا جرير، عن الأعمش، عن مـجاهد، فـي قوله: { فـالـحَقُّ والـحَقَّ أقُولُ } يقول الله: أنا الـحقُّ، والـحقَّ أقول. وحُدثت عن ابن أبـي زائدة، عن ابن جُرَيج، عن مـجاهد { فـالـحَقُّ والـحَقَّ أقُولُ } يقول الله: الـحقّ منـي، وأقول الـحقّ. حدثنا أحمد بن يوسف، قال: ثنا القاسم، قال: ثنا حجاج، عن هارون، قال: ثنا أبـان بن تغلب، عن طلـحة الـيامي، عن مـجاهد، أنه قرأها { فـالـحَقُّ } بـالرفع { والـحَقَّ أقُولُ } نصبـاً وقال: يقول الله: أنا الـحقّ، والـحقّ أقول. حدثنا مـحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: { الـحَقُّ والـحَقَّ أقُولُ } قال: قسم أقسم الله به. وقوله: { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّـمَ مِنْكَ } يقول لإبلـيس: لأملأنّ جهنـم منك ومـمن تبعك من بنـي آدم أجمعين. وقوله: { قُلْ ما أسأَلُكُمْ عَلَـيْهِ مِنْ أَجْرٍ } يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: قل يا مـحمد لـمشركي قومك، القائلـين لكأأُنْزِلَ عَلَـيْهِ الذّكْرُ مِنْ بَـيْنِنا } ما أسألكم علـى هذا الذكر وهو القرآن الذي أتـيتكم به من عند الله أجراً، يعنـي ثوابـاً وجزاء { وما أنا مِنَ الـمُتَكَلِّفِـينَ } يقول: وما أنا مـمن يتكلف تـخرُّصَه وافتراءه، فتقولون:إنْ هَذَا إِلاَّ إفْكٌ افَتَراهُ } وإنْ هَذَا إلاَّ اخْتِلاَقٌ } كما: حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { قُلْ ما أسألُكُمْ عَلَـيهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أنا مِنَ الـمُتَكَلِّفِـينَ } قال: لا أسألكم علـى القرآن أجراً تعطونـي شيئاً، وما أنا من الـمتكلفـين أتـخرّص وأتكلف ما لـم يأمرنـي الله به.