يقول تعالـى ذكره: قال داود للـخصم الـمتظلـم من صاحبه: لقد ظلـمك صاحبك بسؤاله نعجتك إلـى نعاجه وهذا مـما حُذفت منه الهاء فأضيف بسقوط الهاء منه إلـى الـمفعول به، ومثله قوله عزّ وجلّ:{ لا يَسْأَمُ الإنْسانُ مِنْ دُعاءِ الـخَيْرِ } والـمعنى: من دعائه بـالـخير، فلـما أُلْقِـيت الهاء من الدعاء أضيف إلـى الـخير، وألقـي من الـخير البـاء وإنـما كنى بـالنعجة ها هنا عن الـمرأة، والعرب تفعل ذلك ومنه قول الأعشى:
قَدْ كُنْتُ رَائِدَها وَشاةِ مُـحَاذِرٍ
حَذَرَاً يُقِلُّ بعَيْنِهِ إغْفَـالَهَا
يعنـي بـالشاة: امرأة رجل يحذر الناس علـيها وإنـما يعنـي: لقد ظلـمت بسؤال امرأتك الواحدة إلـى التسع والتسعين من نسائه. وقوله: { وَإنَّ كَثِـيراً مِنَ الـخُـلَطاءِ لَـيَبْغِي بَعْضُهُمْ علـى بَعْضٍ } يقول: وإن كثـيراً من الشركاء لـيتعدّى بعضهم علـى بعض { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا } بـالله { وَعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ } يقول: وعملوا بطاعة الله، وانتهوا إلـى أمره ونهيه، ولـم يتـجاوزوه { وَقَلِـيـلٌ ما هُمْ }. وفـي «ما» التـي فـي قوله: { وَقَلِـيـلٌ ما هُم } وجهان: أحدهما أن تكون صلة بـمعنى: وقلـيـل هم، فـيكون إثبـاتها وإخراجها من الكلام لا يُفسد معنى الكلام: والآخر أن تكون اسماً، و«هم» صلة لها، بـمعنى: وقلـيـل ما تـجدهم، كما يقال: قد كنت أحسبك أعقل مـما أنت، فتكون أنت صلة لـما، والـمعنى: كنت أحسب عقلك أكثر مـما هو، فتكون «ما» والاسم مصدراً، ولو لـم ترد الـمصدر لكان الكلام بـمن، لأن من التـي تكون للناس وأشبـاههم، ومـحكيٌّ عن العرب: قد كنت أراك أعقل منك مثل ذلك، وقد كنت أرى أنه غير ما هو، بـمعنى: كنت أراه علـى غير ما رأيت. ورُوي عن ابن عبـاس فـي ذلك ما: حدثنـي به علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { وَقَلِـيـلٌ ما هُمْ } يقول: وقلـيـل الذين هم. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعملُوا الصَّالِـحاتِ وَقَلِـيـلٌ ما هُمْ } قال: قلـيـل من لا يبغي. فعلـى هذا التأويـل الذي تأوّله ابن عبـاس معنى الكلام: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالـحات، وقلـيـل الذين هم كذلك، بـمعنى: الذين لا يبغي بعضهم علـى بعض، و«ما» علـى هذا القول بـمعنى: مَنْ. وقوله: { وَظَنَّ دَاوُدُ أنَّـمَا فَتَنَّاهُ } يقول: وعلـم داود أنـما ابتلـيناه، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَظَنَّ دَاوُدُ }: علـم داود. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن { وَظَنَّ دَاوُدَ أنَّـمَا فَتَنَّاهُ } قال: ظنّ أنـما ابْتُلِـي بذاك. حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس { وَظَنَّ دَاوُدُ أنَّـمَا فَتَنَّاهُ } قال: ظنّ أنـما ابتُلـي بذاك.