الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيۤ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إِلاَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَٱسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ }

يقول تعالـى ذكره: قال داود للـخصم الـمتظلـم من صاحبه: لقد ظلـمك صاحبك بسؤاله نعجتك إلـى نعاجه وهذا مـما حُذفت منه الهاء فأضيف بسقوط الهاء منه إلـى الـمفعول به، ومثله قوله عزّ وجلّ:لا يَسْأَمُ الإنْسانُ مِنْ دُعاءِ الـخَيْرِ } والـمعنى: من دعائه بـالـخير، فلـما أُلْقِـيت الهاء من الدعاء أضيف إلـى الـخير، وألقـي من الـخير البـاء وإنـما كنى بـالنعجة ها هنا عن الـمرأة، والعرب تفعل ذلك ومنه قول الأعشى:
قَدْ كُنْتُ رَائِدَها وَشاةِ مُـحَاذِرٍ   حَذَرَاً يُقِلُّ بعَيْنِهِ إغْفَـالَهَا
يعنـي بـالشاة: امرأة رجل يحذر الناس علـيها وإنـما يعنـي: لقد ظلـمت بسؤال امرأتك الواحدة إلـى التسع والتسعين من نسائه. وقوله: { وَإنَّ كَثِـيراً مِنَ الـخُـلَطاءِ لَـيَبْغِي بَعْضُهُمْ علـى بَعْضٍ } يقول: وإن كثـيراً من الشركاء لـيتعدّى بعضهم علـى بعض { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا } بـالله { وَعَمِلُوا الصَّالِـحاتِ } يقول: وعملوا بطاعة الله، وانتهوا إلـى أمره ونهيه، ولـم يتـجاوزوه { وَقَلِـيـلٌ ما هُمْ }. وفـي «ما» التـي فـي قوله: { وَقَلِـيـلٌ ما هُم } وجهان: أحدهما أن تكون صلة بـمعنى: وقلـيـل هم، فـيكون إثبـاتها وإخراجها من الكلام لا يُفسد معنى الكلام: والآخر أن تكون اسماً، و«هم» صلة لها، بـمعنى: وقلـيـل ما تـجدهم، كما يقال: قد كنت أحسبك أعقل مـما أنت، فتكون أنت صلة لـما، والـمعنى: كنت أحسب عقلك أكثر مـما هو، فتكون «ما» والاسم مصدراً، ولو لـم ترد الـمصدر لكان الكلام بـمن، لأن من التـي تكون للناس وأشبـاههم، ومـحكيٌّ عن العرب: قد كنت أراك أعقل منك مثل ذلك، وقد كنت أرى أنه غير ما هو، بـمعنى: كنت أراه علـى غير ما رأيت. ورُوي عن ابن عبـاس فـي ذلك ما: حدثنـي به علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { وَقَلِـيـلٌ ما هُمْ } يقول: وقلـيـل الذين هم. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { إلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعملُوا الصَّالِـحاتِ وَقَلِـيـلٌ ما هُمْ } قال: قلـيـل من لا يبغي. فعلـى هذا التأويـل الذي تأوّله ابن عبـاس معنى الكلام: إلا الذين آمنوا وعملوا الصالـحات، وقلـيـل الذين هم كذلك، بـمعنى: الذين لا يبغي بعضهم علـى بعض، و«ما» علـى هذا القول بـمعنى: مَنْ. وقوله: { وَظَنَّ دَاوُدُ أنَّـمَا فَتَنَّاهُ } يقول: وعلـم داود أنـما ابتلـيناه، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَظَنَّ دَاوُدُ }: علـم داود. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن عُلَـية، عن أبـي رجاء، عن الـحسن { وَظَنَّ دَاوُدَ أنَّـمَا فَتَنَّاهُ } قال: ظنّ أنـما ابْتُلِـي بذاك. حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس { وَظَنَّ دَاوُدُ أنَّـمَا فَتَنَّاهُ } قال: ظنّ أنـما ابتُلـي بذاك.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7