الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ } * { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ } * { بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ } * { لاَ فِيهَا غَوْلٌ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ }

قوله فَوَاكِهُ ردّاً علـى الرزق الـمعلوم تفسيراً له، ولذلك رفعت. وقوله: { وَهُمْ مُكْرَمُونَ } يقول: وهم مع الذي لهم من الرزق الـمعلوم فـي الـجنة، مكرمون بكرامة الله التـي أكرمهم الله بها { فِـي جَنَّاتِ النَّعِيـمِ } يعنـي: فـي بساتـين النعيـم { علـى سُرُرٍ مُتَقابِلِـينَ } يعنـي: أن بعضهم يقابل بعضاً، ولا ينظر بعضهم فـي قـفـا بعض. وقوله: { يُطافُ عَلَـيْهِمْ بكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } يقول تعالـى ذكره: يطوف الـخدم علـيهم بكأس من خمر جارية ظاهرة لأعينهم غير غائرة، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { يُطافُ عَلَـيْهِمْ بكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } قال: كأس من خمر جارية، والـمعين: هي الـجارية. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا سفـيان، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك بن مزاحم، فـي قوله: { بكأْسٍ مِنْ مَعِينٍ } قال: كلّ كأس فـي القرآن فهو خمر. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الله بن داود، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك بن مزاحم، قال: كل كأس فـي القرآن فهو خمر. حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: { بكأْسٍ مِن مَعِينٍ } قال: الـخمر. والكأس عند العرب: كلّ إناء فـيه شراب، فإن لـم يكن فـيه شراب لـم يكن كأساً، ولكنه يكون إناء. وقوله: { بَـيْضَاءَ لَذَّةٍ للشَّارِبِـينَ } يعنـي بـالبـيضاء: الكأس، ولتأنـيث الكأس أنثت البـيضاء، ولـم يقل أبـيض، وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله: «صفراء». حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: { بَـيْضَاءَ } قال السديّ: فـي قراءة عبد الله: «صفراء». وقوله: { لَذَّةٍ للشَّارِبـينَ } يقول: هذه الـخمر لذّة يـلتذّها شاربوها. وقوله: { لا فِـيها غَوْلٌ } يقول: لا فـي هذه الـخمر غَوْل، وهو أن تغتال عقولهم يقول: لا تذهب هذه الـخمر بعقول شاربـيها، كما تذهب بها خمور أهل الدنـيا إذا شربوها فأكثروا منها، كما قال الشاعر:
وَما زَالَتِ الكأْسُ تَغْتالُنَا   وَتَذْهَبُ بـالأَوَّلِ الأَوَّلِ
والعرب تقول: لـيس فـيها غيـلة وغائلة وغَوْل بـمعنى واحد ورفع غَوْل ولـم ينصب بلا لدخول حرف الصفة بـينها وبـين الغول، وكذلك تفعل العرب فـي التبرئة إذا حالت بـين لا والاسم بحرف من حروف الصفـات رفعوا الاسم ولـم ينصبوه، وقد يحتـمل قوله: { لا فِـيها غَوْلٌ } أن يكون معنـياً به: لـيس فـيها ما يؤذيهم من مكروه، وذلك أن العرب تقول للرجل يصاب بأمر مكروه، أو يُنال بداهية عظيـمة: غالَ فلاناً غُولٌ. وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: معناه: لـيس فـيها صُداع. ذكر من قال ذلك: حدثنـي علـيّ، قال: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { لا فِـيها غَوْلٌ } يقول: لـيس فـيها صُداع.

السابقالتالي
2 3