الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ } * { سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } * { إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ }

يقول تعالـى ذكره: وجعل هؤلاء الـمشركون بـين الله وبـين الـجنة نسبـاً. واختلف أهل التأويـل فـي معنى النسب الذي أخبر الله عنهم أنهم جعلوه لله تعالـى، فقال بعضهم: هو أنهم قالوا أعداء الله: إن الله وإبلـيس أخوان. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله: { وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنَّةِ نَسَبـاً } قال: زعم أعداء الله أنه تبـارك وتعالـى وإبلـيس أخوان. وقال آخرون: هو أنهم قالوا: الـملائكة بنات الله، وقالوا: الـجِنَّة: هي الـملائكة. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيس وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: { وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنَّةِ نَسَبـاً } قال: قال كفـار قريش: الـملائكة بنات الله، فسأل أبو بكر: مَنْ أمهاتهنّ؟ فقالوا: بنات سَرَوَات الـجنّ، يحسبون أنهم خُـلقِوا مـما خُـلق منه إبلـيس. حدثنا عمرو بن يحيى بن عمران بن عفرة، قال: ثنا عمرو بن سعيد الأبح، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة، فـي قوله: { وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنَّةِ نَسَبـاً } قالت الـيهود: إن الله تبـارك وتعالـى تزوّج إلـى الـجنّ، فخرج منهما الـملائكة، قال: سبحانه سبح نفسه. حدثنا مـحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ، فـي قوله: { وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبـينَ الـجِنَّةِ نَسَبـاً } قال: الـجنة: الـملائكة، قالوا: هنّ بنات الله. حدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وَبـينَ الـجِنَّةِ نَسَبـاً }: الـملائكة. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله: { وَجَعَلُوا بَـيْنَهُ وبَـينَ الـجِنَّةِ نَسَبـاً } قال: بـين الله وبـين الـجنة نسبـاً افتروا. وقوله: { وَلَقَدْ عَلِـمَتِ الـجِنَّةُ إنَّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ } اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: ولقد علـمت الـجنة إنهم لَـمُشهدون الـحساب. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { وَلَقَدْ عَلِـمَتِ الـجِنَّةُ إنَّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ } أنها ستُـحضر الـحساب. وقال آخرون: معناه: إن قائلـي هذا القول سيُحضرون العذاب فـي النار. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد، قال: ثنا أحمد، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ { إنَّهُمْ لَـمُـحْضَرُونَ } إن هؤلاء الذين قالوا هذا لـمـحضرون: لـمعذّبون. وأوْلـى القولـين فـي ذلك بـالصواب قول من قال: إنهم لـمـحضَرُون العذاب، لأن سائر الآيات التـي ذكر فـيها الإحضار فـي هذه السورة، إنـما عُنِـيَ به الإحضار فـي العذاب، فكذلك فـي هذا الـموضع. وقوله: { سُبْحانَ اللّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } يقول تعالـى ذكره تنزيهاً لله، وتبرئه له مـما يضيف إلـيه هؤلاء. الـمشركون به، ويفترون علـيه، ويصفونه، من أن له بنات، وأن له صاحبة. وقوله: { إلاَّ عِبـادَ اللّهِ الـمُخْـلَصِينَ } يقول: ولقد علـمت الـجِنَّةُ أن الذين قالوا: إن الـملائكة بنات الله لـمُـحضرون العذاب، إلا عبـاد الله الذين أخـلَصَهُمْ لرحمته، وخـلقهم لـجنته.