الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَم مَّنْ خَلَقْنَآ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ } * { بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ }

يقول تعالـى ذكره لنبـيه مـحمد صلى الله عليه وسلم: فـاستفت يا مـحمد هؤلا الـمشركين الذي يُنكرون البعث بعد الـمـمات والنشور بعد البلاء: يقول: فسَلْهم: أهم أشدّ خـلقاً؟ يقول: أخـلقُهم أشدّ؟ أم يخـلق من عددنا خـلقه من الـملائكة والشياطين والسموات والأرض؟ وذُكر أن ذلك فـي قراءة عبد الله بن مسعود: «أهُمْ أشَدُّ خَـلْقاً أمْ مَنْ عَدَدْنا»؟. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { أهُمْ أشَدُّ خَـلْقاً أمْ مَنْ خَـلَقْنا }؟ قال: السموات والأرض والـجبـال. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا عبـيد بن سلـيـمان، عن الضحاك أنه قرأ: «أهُمْ أشَدُّ خَـلْقاً أمْ مَنْ عَدَدْنا»؟. وفـي قراءة عبد الله بن مسعود «عَدَدْنا» يقول:رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ وَما بَـيْنَهُما وَرَبُّ الـمَشارِقِ } يقول: أهم أشدّ خـلقاً، أم السموات والأرض؟ يقول: السموات والأرض أشدّ خـلقاً منهم. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة «فـاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدُّ خَـلْقاً أمْ مَنْ عَدَدْنا» من خَـلْق السموات والأرض، قال الله:لَـخَـلَقُ السَّمَواتِ والأرْضِ أكْبَرُ مِنْ خَـلْقِ النَّاسِ } الآية. حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: ثنا أحمد بن الـمفضل، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ { فـاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدُّ خَـلْقاً } قال يعنـي الـمشركين، سلهم أهم أشدّ خـلقاً { أمْ مَنْ خَـلَقْنا }. وقوله: { إنَّا خَـلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ } يقول: إنا خـلقناهم من طين لاصق. وإنـما وصفه جلّ ثناؤه بـاللٌّزوب، لأنه تراب مخـلوط بـماء، وكذلك خَـلْق ابن آدم من تراب وماء ونار وهواء والتراب إذا خُـلط بـماء صار طيناً لازبـاً، والعرب تُبدل أحياناً هذه البـاء ميـماً، فتقول: طين لازم ومنه قول النـجاشي الـحارثـي:
بَنَى اللُّؤْمُ بَـيْتاً فـاسْتَقَرَّتْ عِمادُهُ   علـيكُمْ بَنِـي النَّـجَّارِ ضَرْبَةَ لازِمِ
ومن اللازب قول نابغة بنـي ذُبـيان:
وَلا يَحْسِبُونَ الـخَيْرَ لا شَرَّ بَعْدهُ   وَلا يَحْسَبُونَ الشَّرَّ ضَرْبَةَ لازِبِ
وربـما أبدلوا الزاي التـي فـي اللازب تاء، فـيقولون: طين لاتب، وذُكر أن ذلك فـي قَـيس زعم الفراء أن أبـا الـجرّاح أنشده:
صُدَاعٌ وَتَوْصِيـمُ العِظامِ وَفَتْرَةٌ   وَغَثْـيٌ معَ الإشْراقِ فـي الـجوْفِ لاتِبَ
بـمعنى: لازم، والفعل من لازب: لَزِبَ يَـلْزُب، لزْبـاً ولُزوبـاً، وكذلك من لاتب: لَتَبَ يَـلْتُب لُتُوبـاً. وبنـحو الذي قلنا فـي معنى { لازِبِ } قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي عبـيد الله بن يوسف الـجُبَـيري، قال: ثنا مـحمد بن كثـير، قال: ثنا مسلـم، عن مـجاهد، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { مِنْ طِينٍ لازِبٍ } قال: هو الطين الـحرّ الـجيد اللزج. حدثنا مـحمد بن بشار، قال: ثنا يحيى بن سعيد وعبد الرحمن، قالا: ثنا سفـيان، عن الأعمش، عن مسلـم البطين، عن سعيد، عن ابن عبـاس، قال: اللازب: الـجيد.

السابقالتالي
2