الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ } * { وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي ٱلْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ } * { قُلْ يُحْيِيهَا ٱلَّذِيۤ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ }

يقول تعالـى ذكره: { أوَ لَـمْ يَرَ الإنْسانُ أنَّا خَـلَقْناهُ }. واختُلف فـي الإنسان الذي عُنـي بقوله: { أوَ لَـمْ يَرَ الإنْسانُ } فقال بعضهم: عُنـي به أُبّـي بن خـلف. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عُمارة، قال: ثنا عبـيد الله بن موسى، قال: ثنا إسرائيـل، عن أبـي يحيى عن مـجاهد، فـي قوله: { مَنْ يُحْيِـي العِظامَ وَهِيَ رَمِيـمٌ } قال: أُبـيّ بن خَـلَف أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعَظْم. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { وَضَرَبَ لنَا مَثَلاً } أُبـيّ بن خـلف. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { قالَ مَنْ يُحْيِـي العِظامَ وَهِيَ رَمِيـمٌ }: ذُكر لنا أن أُبـيَّ بن خـلف، أتـى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظْم حائل، ففتَّه، ثم ذرّاه فـي الريح، ثم قال: يا مـحمد من يحيـي هذا وهو رميـم؟ قال: " الله يحيـيه، ثم يـميته، ثم يُدخـلك النار " قال: فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أُحد. وقال آخرون: بل عُنـي به: العاص بن وائل السَّهميّ. ذكر من قال ذلك: حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبـير، قال: جاء العاص بن وائل السهميّ إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظّم حائل، ففتَّه بـين يديه، فقال: يا مـحمد أيبعث الله هذا حياً بعد ما أرمّ؟ قال: " نَعَمْ يَبْعَثُ اللّهُ هَذَا، ثُمَّ يُـمِتُكَ ثُمَّ يُحْيِـيكَ، ثُم يُدْخِـلُكَ نارَ جَهَنَّـم " قال: ونزلت الآيات: { أوَ لَـمْ يَرَ الإنْسانُ أنَّا خَـلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فإذَا هُوَ خَصِيـمٌ مُبِـينٌ... } إلـى آخر الآية. وقال آخرون: بل عُنِـي به: عبد الله بن أُبـيّ. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس { أوَ لَـمْ يَرَ الإنْسانُ أنَّا خَـلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ }... إلـى قوله: { وَهِيَ رَمِيـمٌ } قال: جاء عبد الله بن أُبـيّ إلـى النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعظْم حائل فكسره بـيده، ثم قال: يا مـحمد كيف يبعث الله هذا وهو رميـم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يَبْعَثُ اللّهُ هَذَا، ويُـمِيتُكَ ثُمَّ يُدْخِـلُكَ جَهَنَّـمَ " فقال الله: { قُلْ يُحْيِـيها الَّذِي أنشأها أوَّلَ مَرَّةٍ وَهُو بِكُلّ خَـلْقٍ عَلِـيـمٌ }. فتأويـل الكلام إذن: أو لـم ير هذا الإنسان الذي يقول: { مَنْ يُحْيِـي العِظامَ وَهِيَ رَمِيـمٌ } أنا خـلقناه من نطفة فسوّيناه خـلقاً سَوِيًّا { فإذَا هوَ خَصِيـمٌ } يقول: فإذا هو ذو خصومة لربه، يخاصمه فـيـما قال له ربه إنـي فـاعل، وذلك إخبـار لله إياه أنه مُـحْيـي خـلقه بعد مـماتهم، فـيقول: مَنْ يحيـي هذه العظام وهي رميـم؟ إنكاراً منه لقُدرة الله علـى إحيائها.

السابقالتالي
2