الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }

يقول تعالـى ذكره: أفمن حسَّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر به، وعبـادة ما دونه من الآلهة والأوثان، فرآه حسناً، فحسب سيىء ذلك حسناً، وظنّ أن قُبحه جميـل، لتزيـين الشيطان ذلك له، ذهبت نفسك علـيهم حسرات وحذف من الكلام: ذهبت نفسك علـيهم حسرات، اكتفـاء بدلالة قوله: { فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَرَاتٍ } منه. وقوله: { فإنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ } يقول: فإن الله يخذل من يشاء عن الإيـمان به واتبـاعك وتصديقك، فـيضله عن الرشاد إلـى الـحقّ فـي ذلك، { ويهدي من يشاء } يقول: ويوفِّق من يشاء للإيـمان به واتبـاعك، والقبول منك، فتهديه إلـى سبـيـل الرشاد { فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَراتٍ } يقول: فلا تُهلك نفسك حزناً علـى ضلالتهم وكفرهم بـالله، وتكذيبهم لك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { أفمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرآهُ حَسَناً فإنَّ اللّهِ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ } قال قتادة والـحسن: الشيطان زين لهم { فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَرَاتٍ }: أي لا يُحزنك ذلك علـيهم، فإن الله يضلّ من يشاء، ويهدي من يشاء. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قول الله: { فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَراتٍ } قال: الـحسرات: الـحزن، وقرأ قول الله: { يا حَسْرَتا علـى ما فَرَّطْتُ فِـي جَنْبِ اللّهِ }. ووقع قوله: { فإنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ } موضع الـجواب، وإنـما هو منبع الـجواب، لأن الـجواب هو الـمتروك الذي ذكرت، فـاكتفـى به من الـجواب لدلالته علـى الـجواب ومعنى الكلام. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: { فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَـيْهِمْ حَسَراتٍ } فقرأته قرّاء الأمصار سوى أبـي جعفر الـمدنـي { فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ } بفتـح التاء من { تَذهَبْ } ، ونفسك برفعها. وقرأ ذلك أبو جعفر: «فَلا تُذْهِبْ» بضم التاء من { تَذْهَبْ } ، ونفسَك بنصبها، بـمعنى: لا تذهب أنت يا مـحمد نفسك. والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا ما علـيه قرّاء الأمصار، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. وقوله: { إنَّ اللّهَ عَلِـيـمٌ بِـمَا يَصْنَعُونَ } يقول تعالـى ذكره: إن الله يا مـحمد ذو علـم بـما يصنع هؤلاء الذين زيَّن لهم الشيطان سوء أعمالهم، وهو مـحصيه علـيهم، ومـجازيهم به جزاءهم.