الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَآءَهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً } * { ٱسْتِكْبَاراً فِي ٱلأَرْضِ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحْوِيلاً }

يقول تعالـى ذكره: وأقسم هؤلاء الـمشركون بـالله جهد أيـمانهم يقول: أشدّ الإيـمان، فبـالغوا فـيها، لئن جاءهم من الله مُنذر ينذرهم بأس الله { لَـيَكُونُنَّ أهْدَى مِنْ إحْدَى الأُمَـمِ } يقول: لـيكونُنّ أسلك لطريق الـحقّ، وأشدّ قبولاً لِـما يأتـيهم به النذير من عند الله، من إحدى الأَمـم التـي خـلت من قبلهم { فَلَـمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ } يعنـي بـالنذير: مـحمداً صلى الله عليه وسلم، يقول: فلـما جاءهم مـحمد ينذرهم عقاب الله علـى كفرهم، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { فَلَـمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ } وهو مـحمد صلى الله عليه وسلم. وقوله: { ما زَادَهُمْ إلاَّ نُفُوراً } يقول: ما زادهم مـجِيء النذير من الإيـمان بـالله واتبـاع الـحقّ، وسلوك هدى الطريق، إلاَّ نفوراً وهربـاً. وقوله: { اسْتِكْبـاراً فِـي الأرْضِ } يقول: نفروا استكبـاراً فـي الأرض، وخِدْعة سيئة، وذلك أنهم صدّوا الضعفـاء عن اتبـاعه مع كفرهم به. والـمكر هاهنا: هو الشرك، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة: { وَمَكْرَ السَّيِّىءِ } وهو الشرك. وأضيف الـمكر إلـى السيىء، والسيىء من نعت الـمكر، كما قـيـل:إن هذا لهو حقّ الـيقـين } وقـيـل: إن ذلك فـي قراءة عبد الله: «وَمَكْراً سَيِّئاً»، وفـي ذلك تـحقـيق القول الذي قلناه من أن السيىء فـي الـمعنى من نعت الـمكر. وقرأ ذلك قرّاء الأمصار غير الأعمش وحمزة بهمزة مـحركة بـالـخفض. وقرأ ذلك الأعمش وحمزة بهمزة وتسكين الهمزة اعتلالاً منهما بأن الـحركات لـما كثرت فـي ذلك ثقل، فسكنا الهمزة، كما قال الشاعر:
إذا اعْوَجَجْنَ قُلْتُ صَاحِبْ قَوّمِ   
فسكَّن البـاء، لكثرة الـحركات. والصواب من القراءة ما علـيه قرّاء الأمصار من تـحريك الهمزة فـيه إلـى الـخفض، وغير جائز فـي القرآن أن يقرأ بكل ما جاز فـي العربـية، لأن القراءة إنـما هي ما قرأت به الأئمة الـماضية، وجاء به السلف علـى النـحو الذي أخذوا عمن قبلهم. وقوله: { وَلا يَحِيقُ الـمَكْرُ السَّيِّىءُ إلاَّ بأهْلِهِ } يقول: ولا ينزل الـمكر السيىء إلاَّ بأهله، يعنـي بـالذين يـمكرونه وإنـما عَنَى أنه لا يحل مكروه ذلك الـمكر الذي مكره هؤلاء الـمشركون إلاَّ بهم. وقال قتادة فـي ذلك ما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { وَلا يَحِيقُ الـمَكْرُ السَّيِّىءُ إلاَّ بأهْلِهِ } وهو الشرك. وقوله: { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ سُنَّةَ الأوَّلِـينَ } يقول تعالـى ذكره: فهل ينتظر هؤلاء الـمشركون من قومك يا مـحمد إلاَّ سنة الله بهم فـي عاجل الدنـيا علـى كفرهم به ألـيـمَ العقاب. يقول: فهل ينتظر هؤلاء إلاَّ أن أُحلّ بهم من نقمتـي علـى شركهم بـي وتكذيبهم رسولـي مثل الذي أحللت بـمن قبلهم من أشكالهم من الأمـم، كما: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ سُنَّتَ الأوَّلِـينَ }: أي عقوبة الأوّلـين. { فَلَنْ تَـجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَبْدِيلاً } يقول: فلن تـجد يا مـحمد لسنة الله تغيـيراً. وقوله: { وَلَنْ تَـجِدَ لِسُنَّتِ اللّهِ تَـحْوِيلاً } يقول: ولن تـجد لسنَّة الله فـي خـلقه تبديلاً يقول: لن يغير ذلك، ولا يبدّله، لأنه لا مردّ لقضائه.