الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيِّبُ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }

اختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: { مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعاً } فقال بعضهم: معنى ذلك: من كان يريد العزّة بعبـادة الآلهة والأوثان، فإن العزة لله جميعاً. ذكر من قال ذلك: حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول الله: { مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزَّةَ } يقول: من كان يريد العزّة بعبـادته الآلهة { فإنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً }. وقال آخرون: معنى ذلك: من كان يريد العزة فلـيتعزّز بطاعة الله. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله: { مَنْ كانَ يُرِيدُ العِزَّةَ فَلِلَّهِ العِزَّةُ جَمِيعاً } يقول: فلـيتعزّز بطاعة الله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: من كان يريد علـم العزّة لـمن هي، فإنه لله جميعاً كلها: أي كلّ وجه من العزّة فللّه. والذي هو أولـى الأقوال بـالصواب عندي قول من قال: من كان يريد العزّة، فبـالله فلـيتعزّز، فللّه العزّة جميعاً، دون كلّ ما دونه من الآلهة والأوثان. وإنـما قلت: ذلك أولـى بـالصواب، لأن الآيات التـي قبل هذه الآية، جرت بتقريع الله الـمشركين علـى عبـادتهم الأوثان، وتوبـيخه إياهم، ووعيده لهم علـيها، فأولـى بهذه أيضاً أن تكون من جنس الـحث علـى فراق ذلك، فكانت قصتها شبـيهة بقصتها، وكانت فـي سياقها. وقوله: { إلَـيْه يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطَّيِّب } يقول تعالـى ذكره: إلـى الله يصعد ذكر العبد إياه وثناؤه علـيه { والعَمَلُ الصَّالِـحُ يَرْفَعُهُ } يقول: ويرفع ذكر العبد ربه إلـيه عمله الصالـح، وهو العمل بطاعته، وأداء فرائضه، والانتهاء إلـى ما أمر به. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن إسماعيـل الأحمسي، قال: أخبرنـي جعفر بن عون، عن عبد الرحمن بن عبد الله الـمسعودي، عن عبد الله بن الـمخارق، عن أبـيه الـمخارق بن سلـيـم، قال: قال لنا عبد الله: إذا حدّثناكم بحديث أتـيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله. إن العبد الـمسلـم إذا قال: سبحان الله وبحمده، الـحمد لله لا إله إلاَّ الله، والله أكبر، تبـارك الله، أخذهنّ ملك، فجعلهنّ تـحت جناحيه، ثم صعد بهنّ إلـى السماء، فلا يـمرّ بهنّ علـى جمع من الـملائكة إلاَّ استغفروا لقائلهنّ حتـى يحيـي بهنّ وجه الرحمن، ثم قرأ عبد الله: { إلَـيْهِ يَصْعَدُ الكَلِـمُ الطَّيِّبِ والعَمَلُ الصَّالِـحُ يَرْفَعُهُ }. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: ثنا ابن علـية، قال: أخبرنا سعيد الـجريري، عن عبد الله بن شقـيق، قال: قال كعب: إن لسبحان الله، والـحمد لله، ولا إله إلاَّ الله، والله أكبر، لدوياً حول العرش كدويّ النـحل، يذكرن بصاحبهنّ، والعمل الصالـح فـي الـخزائن.

السابقالتالي
2