الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ }

يقول تعالـى ذكره: فلـما أمضينا قضاءنا علـى سلـيـمان بـالـموت فمات { ما دَلَّهُمْ عَلـى مَوْتِهِ } يقول: لـم يدلّ الـجنّ علـى موت سلـيـمان { إلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ } وهي الأَرَضَة وقعت فـي عصاه، التـي كان متكئاً علـيها فأكلتها، فذلك قول الله عزّ وجلّ { تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ }. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنـي ابن الـمثنى وعلـيّ، قالا: ثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس، قوله: { إلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } يقول: الأَرَضَة تأكل عصاه. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس، قوله { تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } قال: عصاه. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنـي أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعاً عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قوله: { إلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ } قال: الأَرَضَة { تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } قال: عصاه. حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي يحيى، عن مـجاهد { تأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } قال: عصاه. حدثنا ابن بشار، قال: ثنا ابن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، فـي قوله: { تَأْكُلُ مِنْسأَتَهُ } أكلت عصاه حتـى خرّ. حدثنا موسى بن هارون، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسبـاط، عن السديّ: الـمنسأة: العصا بلسان الـحبشة. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الـمنسأة: العصا. واختلفت القرّاء فـي قراءة قوله: { مِنْسأتَهُ } فقرأ ذلك عامة قرّاء أهل الـمدينة وبعض أهل البصرة: «مِنْساتَهُ» غير مهموزة وزعم من اعتلّ لقارىء ذلك كذلك من أهل البصرة أن الـمنِساة: العصا، وأن أصلها من نسأت بها الغنـم، قال: وهي من الهمز الذي تركته العرب، كما تركوا همز النبـيّ والبرية والـخابـية، وأنشد لترك الهمز فـي ذلك بـيتاً لبعض الشعراء:
إذَا دَبَبتَ عَلـى الـمِنساةِ مِنْ هَرَمٍ   فَقَدْ تَبـاعَدَ عَنْكَ اللَّهْوُ والغَزَلُ
وذكر الفراء عن أبـي جعفر الرَّوَاسِيِّ، أنه سأل عنها أبـا عمرو، فقال: «مِنْساتَهُ» بغير همز. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة: { مِنْسأتَهُ } بـالهمز، وكأنهم وجهوا ذلك إلـى أنها مِفْعَلة، من نسأت البعير: إذا زجرته لـيزداد سيره، كما يقال: نسأت اللبن: إذا صببت علـيه الـماء، وهو النَّسيء. وكما يقال: نسأ الله فـي أجلك أي أدام الله فـي أيام حياتك. قال أبو جعفر: وهما قراءتان قد قرأ بكلّ واحدة منهما علـماء من القرّاء بـمعنى واحد، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب، وأن كنت أختار الهمز فـيها لأنه الأصل. وقوله: { فَلَـمَّا خَرَّ تَبَـيَّنَتِ الـجِنّ } يقول عزّ وجلّ: فلـما خرّ سلـيـمان ساقطاً بـانكسار منسأته تبـيَّنت الـجنّ { أنْ لو كانوا يعلـمون الغَيْبَ } الذي يدّعون علـمه { ما لَبِثُوا فِـي العَذَابِ الـمُهِينِ } الـمذلّ حولاً كاملاً بعد موت سلـيـمان، وهم يحسبون أن سلـيـمان حيّ.

السابقالتالي
2 3