يقول تعالـى ذكره: قد يعلـم الله الذين يعوّقون الناس منكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فـيصدّونهم عنه، وعن شهود الـحرب معه، نفـاقاً منهم، وتـخذيلاً عن الإسلام وأهله { والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُـمَّ إلَـيْنا }: أي تعالوا إلـينا، ودعوا مـحمداً، فلا تشهدوا معه مشهده، فإنا نـخاف علـيكم الهلاك بهلاكه. { وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاَّ قَلِـيلاً } يقول: ولا يشهدون الـحرب والقتال إن شهدوا إلاَّ تعذيراً، ودفعاً عن أنفسهم الـمؤمنـين. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ } قال: هؤلاء ناس من الـمنافقـين كانوا يقولون لإخوانهم: ما مـحمد وأصحابه إلاَّ أكلة رأس، ولو كانوا لـحماً لالتهمهم أبو سفـيان وأصحابه، دعوا هذا الرجل فإنه هالك. وقوله: { وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاَّ قَلِـيلاً }: أي لا يشهدون القتال، يغيبون عنه. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنا يزيد بن رومان { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ }: أي أهل النفـاق { وَالقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُـمَّ إلَـيْنا، وَلا يَأْتُونَ البأْسَ إلاَّ قَلِـيلاً }: أي إلاَّ دفعاً وتعذيراً. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، فـي قوله { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الـمُعَوّقِـينَ مِنْكُمْ، والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ... } إلـى آخر الآية، قال: هذا يوم الأحزاب، انصرف رجل من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد أخاه بـين يديه شواء ورغيف ونبـيذ، فقال له: أنت ههنا فـي الشواء والرغيف والنبـيذ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بـين الرماح والسيوف؟ فقال: هلـمّ إلـى هذا، فقد بلغ بك وبصاحبك، والذي يحلف به لا يستقبلها مـحمد أبداً، فقال: كذبت والذي يحلف به قال، وكان أخاه من أبـيه وأمِّه: أما والله لأخبرنّ النبـيّ صلى الله عليه وسلم أمرك قال: وذهب إلـى رسول الله صلى الله عليه وسلم لـيخبره قال: فوجده قد نزل جبرائيـل علـيه السلام بخبره { قَدْ يَعْلَـمُ اللّهُ الـمُعَوّقِـين مِنْكُمْ والقائِلِـينَ لإخْوَانِهِمْ هَلُـمَّ إلَـيْنا، وَلا يَأْتُون البأْسَ قَلِـيلاً }. وقوله { أشِحَّةً عَلَـيْكُمْ } اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي وصف الله به هؤلاء الـمنافقـين، فـي هذا الـموضع من الشحّ، فقال بعضهم: وصفهم بـالشُّحّ علـيهم فـي الغنـيـمة. ذكر من قال ذلك: حدثنـي بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { أشِحَّةً عَلَـيْكُمْ } فـي الغنـيـمة. وقال آخرون: بل وصفهم بـالشحّ علـيهم بـالـخير. ذكر من قال ذلك: حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنـي عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { أشِحَّةً عَلَـيْكُمْ } قال: بـالـخير، الـمنافقون. وقال غيره: معناه: أشحة علـيكم بـالنفقة علـى ضعفـاء الـمؤمنـين منكم.