الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكَ عَالِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } * { ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلإِنْسَانِ مِن طِينٍ } * { ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ }

يقول تعالـى ذكره: هذا الذي يفعل ما وصفت لكم فـي هذه الآيات، هو عالـم الغيب، يعنـي عالـم ما يغيب عن أبصاركم أيها الناس، فلا تبصرونه مـما تكنه الصدور، وتـخفـيه النفوس، وما لـم يكن بعد مـما هو كائن، { والشهادة }: يعنـي ما شاهدته الأبصار فأبصرته وعاينته وما هو موجود { العَزِيزُ } يقول: الشديد فـي انتقامه مـمن كفر به وأشرك معه غيره، وكذّب رسله { الرَّحِيـمُ } بـمن تاب من ضلالته، ورجع إلـى الإيـمان به وبرسوله، والعمل بطاعته، أن يعذّبه بعد التوبة. وقوله: { الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه بعض قراء مكة والـمدينة والبصرة: «أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ» بسكون اللام. وقرأه بعض الـمدنـيـين وعامة الكوفـيـين: { أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } بفتـح اللام. والصواب من القول فـي ذلك عندي أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان قد قرأ بكل واحدة منهما علـماء من القرّاء صحيحتا الـمعنى، وذلك أن الله أحكم خـلقه، وأحكم كل شيء خـلَقه، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب. واختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك، فقال بعضهم: معناه: أتقن كلّ شيء وأحكمه. ذكر من قال ذلك: حدثنـي العبـاس بن أبـي طالب، قال: ثنا الـحسين بن إبراهيـم إشكاب، قال: ثنا شريك، عن خَصيف عن عكرمة، عن ابن عبـاس، فـي قوله: { الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } قال: أما إن است القرد لـيست بحسنة، ولكن أحكم خـلقها. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا أبو النضر، قال: ثنا أبو سعيد الـمؤدّب، عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبـاس، أنه كان يقرؤها: { الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } قال: أما إن است القرد لـيست بحسنة، ولكنه أحكمها. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى وحدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } قال: أتقن كلّ شيء خـلقه. حدثنـي مـحمد بن عمارة، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: ثنا إسرائيـل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهدأتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ } أحصى كلّ شيء. وقال آخرون: بل معنى ذلك: الذي حسن خـلق كل شيء. ذكر من قال ذلك: حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله { الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَـلَقَهُ } حسن علـى نـحو ما خـلق. وذُكر عن الـحجاج، عن ابن جُرَيج، عن الأعرج، عن مـجاهد قال: هو مثلأعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَـلْقَهُ ثم هَدَى } قال: فلـم يجعل خـلق البهائم فـي خـلق الناس، ولا خـلق الناس فـي خـلق البهائم ولكن خـلق كلّ شيء فقدّره تقديراً. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أعلـم كل شيء خـلقه، كأنهم وجهوا تأويـل الكلام إلـى أنه ألهم خـلقه ما يحتاجون إلـيه، وأن قوله { أحْسَنَ } إنـما هو من قول القائل: فلان يحسن كذا إذا كان يعلـمه.

السابقالتالي
2