الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }

يقول تعالـى ذكره: تتنـحَّى جُنوب هؤلاء الذين يؤمنون بآيات الله، الذين وصفت صفتهم، وترتفع من مضاجعهم التـي يضطجعون لـمنامهم، ولا ينامون { يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفـاً وَطَمَعاً } فـي عفوه عنهم، وتفضُّله علـيهم برحمته ومغفرته { ومِـمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ } فـي سبـيـل الله، ويؤدّون منه حقوق الله التـي أوجبها علـيهم فـيه. وتتـجافـى: تتفـاعل من الـجفـاء والـجفـاء: النبو، كما قال الراجز:
وَصَاحِبـي ذَاتُ هِبـاب دَمْشَقُ   وَابنُ مِلاطٍ مُتـجاف أرْفَقُ
يعنـي: أن كرمها سجية عن ابن ملاط. وإنـما وصفهم تعالـى ذكره بتـجافـي جنوبهم عن الـمضاجع لتركهم الاضطجاع للنوم شغلاً بـالصلاة. واختلف أهل التأويـل فـي الصلاة التـي وصفهم جلّ ثناؤه، أن جنوبهم تتـجافـى لها عن الـمضطجع، فقال بعضهم: هي الصلاة بـين الـمغرب والعشاء، وقال: نزلت هذه الآية فـي قوم كانوا يصلون فـي ذلك الوقت. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا يحيى بن سعيد، عن أبـي عروبة، قال: قال قتادة، قال أنس، فـي قولهكانُوا قَلِـيلاً مِنَ اللَّـيْـل مَا يَهْجَعُونَ } قال: كانوا يتنفَّلون فـيـما بـين الـمغرب والعشاء، وكذلك تتـجافـى جنوبهم. قال: ثنا ابن أبـي عديّ، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس، فـي قوله { تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ } قال: يصلون ما بـين هاتـين الصلاتـين. حدثنـي علـيّ بن سعيد الكنديّ، قال: ثنا حفص بن غياث، عن سعيد، عن قتادة، عن أنس { تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ } قال: ما بـين الـمغرب والعشاء. حدثنـي مـحمد بن خـلف، قال: ثنا يزيد بن حيان، قال: ثنا الـحارث بن وجيه الراسبـي، قال: ثنا مالك بن دينار، عن أنس بن مالك، أن هذه الآية نزلت فـي رجال من أصحاب النبـيّ صلى الله عليه وسلم، كانوا يصلون فـيـما بـين الـمغرب والعشاء { تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمضَاجِعِ }. حدثنا ابن وكيع، قال: ثنا مـحمد بن بشر، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة، عن أنس: { تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَن الـمَضَاجِعِ } قال: كانوا يتطوّعون فـيـما بـين الـمغرب والعشاء. قال: ثنا أبـي، عن سفـيان، عن رجل، عن أنس { تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَن الـمَضَاجِعِ } قال: ما بـين الـمغرب والعشاء. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة { تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ } قال: كانوا يتنفَّلون ما بـين صلاة الـمغرب وصلاة العشاء. وقال آخرون: عنى بها صلاة الـمغرب. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن طلـحة، عن عطاء { تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَن الـمَضَاجِعِ } قال: عن العتـمة. وذُكر عن حجاج، عن ابن جريج، قال: قال يحيى بن صَيفـي، عن أبـي سلـمة، قال: العتـمة. وقال آخرون: لانتظار صلاة العتـمة. ذكر من قال ذلك: حدثنـي عبد الله بن أبـي زياد، قال: ثنا عبد العزيز بن عبد الله الأَويسي، عن سلـيـمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس بن مالك، أن هذه الآية { تَتَـجافَـى جُنُوبُهُمْ عَنِ الـمَضَاجِعِ } نزلت فـي انتظار الصلاة التـي تدعى العتـمة.

السابقالتالي
2 3