الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُوۤاْ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِي ٱلأَرْضِ أَءِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلَقَآءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ }

يقول تعالـى ذكره: وقال الـمشركون بـالله، الـمكذّبون بـالبعث: { أئِذَا ضَلَلْنا فـي الأرْض } أي صارت لـحومنا وعظامنا ترابـاً فـي الأرض وفـيها لغتان: ضَلَلْنا، وضَلِلْنا، بفتـح اللام وكسرها والقراءة علـى فتـحها، وهي الـجوداء، وبها نقرأ. وذكر عن الـحسن أنه كان يقرأ: «أئِذَا صَلَلْنا» بـالصاد، بـمعنى: أنتنا، من قولهم: صلّ اللـحم وأصلّ: إذا أنتن. وإنـما عنى هؤلاء الـمشركون بقولهم: { أئِذَا ضَلَلْنا فِـي الأرْضِ } أي إذا هلكت أجسادنا فـي الأرض، لأن كلّ شيء غلب علـيه غيره حتـى خفـي فـيـما غلب، فإنه قد ضلّ فـيه، تقول العرب: قد ضلّ الـماء فـي اللبن: إذا غلب علـيه حتـى لا يتبـين فـيه ومنه قول الأخطل لـجرير:
كُنْتَ القَذَى فـي مَوْج أكْدَرَ مُزْبدٍ   قَذَفَ الأَتِـيُّ به فَضَلَّ ضَلالاَ
وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن حميد، قال: ثنا حكام، عن عنبسة، عن لـيث، عن مـجاهد { أئِذَا ضَلَلْنا فِـي الأرْضِ } يقول: أئذا هلكنا. حدثنـي الـحارث، قال: ثنا الـحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد { أئِذَا ضَلَلْنا فِـي الأرْضِ } هلكنا. حُدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ يقول: أخبرنا عبـيد: قال: سمعت الضحاك يقول، فـي قوله { أئِذَا ضَلَلْنا فِـي الأرْضِ } يقول: أئذا كنا عظاماً ورفـاتاً أنبعث خـلقاً جديداً؟ يكفرون بـالبعث. حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، { وَقالُوا أئِذَا ضلَلْنا فـي الأرْض أئِنَّا لَفِـي خَـلْقٍ جَدِيدٍ } قال: قالوا: أئذا كنا عظاماً ورفـاتاً أئنا لـمبعوثون خـلقاً جديداً؟. وقوله: { بَلْ هُمْ بِلِقاء رَبِّهِمْ كافِرُونَ } يقول تعالـى ذكره: ما بهؤلاء الـمشركين جحود قدرة الله علـى ما يشاء، بل هم بلقاء ربهم كافرون، حذراً لعقابه، وخوف مـجازاته إياهم علـى معصيتهم إياه، فهم من أجل ذلك يجحدون لقاء ربهم فـي الـمعاد.