الرئيسية - التفاسير


* تفسير جامع البيان في تفسير القرآن/ الطبري (ت 310 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ } * { فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } * { فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } * { بِنَصْرِ ٱللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ }

قال أبو جعفر: قد بـيَّنا فـيـما مضى قبلُ معنى قوله { الـم } وذكرنا ما فـيه من أقوال أهل التأويـل، فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع. وقوله: { غُلِبَتِ الرُّومِ فِـي أدْنَى الأرْضِ } اختلفت القرّاء فـي قراءته، فقرأته عامة قرّاء الأمصار: { غُلِبَتِ الرُّومُ } بضمّ الغين، بـمعنى: أن فـارس غَلَبت الروم. وروي عن ابن عمر وأبـي سعيد فـي ذلك ما: حدثنا ابن وكيع، قال: ثنـي أبـي، عن الـحسن الـجفريّ، عن سلـيط، قال: سمعت ابن عمر يقرأ «الـم غَلَبَتِ الرُّومُ» فقـيـل له: يا أبـا عبد الرحمن، علـى أيّ شيء غَلَبوا؟ قال: علـى ريف الشام. والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره { الـم غُلِبَتِ الرُّومُ } بضم الغين، لإجماع الـحجة من القرّاء علـيه. فإذ كان ذلك كذلك، فتأويـل الكلام: غلبت فـارس الروم { فِـي أدْنَى الأرْضِ } من أرض الشام إلـى أرض فـارس { وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبهِمْ } يقول: والروم من بعد غلبة فـارس إياهم { سَيَغْلِبُونَ } فـارس { فِـي بِضْعِ سنِـينَ لله الأمْرُ مِنْ قَبْلُ } غلبتهم فـارس { وَمِنْ بَعْدُ } غلبتهم إياها، يقضي فـي خـلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر من شاء منهم علـى من أحبّ إظهاره علـيه { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الـمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ } يقول: ويوم يغلِب الروم فـارس يفرح الـمؤمنون بـالله ورسوله بنصر الله إياهم علـى الـمشركين، ونُصْرة الروم علـى فـارس { يَنْصُرُ } اللّهُ تعالـى ذكره { مَنْ يَشاءُ } من خـلقه، علـى من يشاء، وهو نُصرة الـمؤمنـين علـى الـمشركين ببدر { وَهُوَ العَزِيزُ } يقول: والله الشديد فـي انتقامه من أعدائه، لا يـمنعه من ذلك مانع، ولا يحول بـينه وبـينه حائل { الرَّحِيـمُ } بـمن تاب من خـلقه، وراجع طاعته أن يعذّبه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنا مـحمد بن سعيد، أو سعيد الثعلبـي الذي يقال له أبو سعد من أهل طَرَسُوس، قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفـيان بن سعيد الثوري، عن حبـيب بن أبـي عَمرة، عن سعيد بن جُبَـير، عن ابن عبـاس، قال: كان الـمسلـمون يُحبون أن تغلب الرومُ أهل الكتاب، وكان الـمشركون يحبون أن يغلب أهل فـارس، لأنهم أهل الأوثان، قال: فذكروا ذلك لأبـي بكر، فذكره أبو بكر للنبـيّ صلى الله عليه وسلم فقال: " أما إنهُمْ سَيُهْزَمُونَ " ، قال: فذكر ذلك أبو بكر للـمشركين، قال: فقالوا: أفنـجعل بـيننا وبـينكم أجلاً، فإن غلبوا كان لك كذا وكذا، وإن غلبنا كان لنا كذا وكذا قال: فجعلوا بـينهم وبـينه أجلاً خمس سنـين، قال: فمضت فلـم يُغلَبوا قال: فذكر ذلك أبو بكر للنبـيّ صلى الله عليه وسلم، فقال له: " أفَلا جَعَلْتَهُ دُونَ العَشْرِ "

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7